لا مجال له هنا. ونكتفي بهذا القدر، لنشير إلى بقية ما في الرواية من هنات.
وثانيا: تناقض الروايات الظاهر لدى كل أحد، ويظهر ذلك بالملاحظة والمقارنة، ونكل ذلك إلى القارئ نفسه. ولو أن الاختلاف كان بالزيادة والنقيصة لأمكن قبوله، على اعتبار أن أحدهما حفظ دون الاخر، أو تعلق غرضه بهذا النحو من النقل، وذاك بنحو آخر. وكذا لو كان التناقض في مورد واحد مثلا، فلربما يمكن الاعتذار عن ذلك بأن من الممكن وقوع الاشتباه غير العمدي من أحد النقلة.
ولكن الامر هنا أبعد من ذلك، فإن التناقض والاختلاف إن لم يكن في كل ما تضمنته تلك الروايات من نقاط، ففي جلها مما يعني أن ثمة تعمدا للوضع والجعل. وقديما قيل: (لا حافظة لكذوب).
هذا كله، مع غض النظر عن المناقضة بين هذه الروايات وبين الرواية التي يذكرها البخاري نفسه في أول كتابه بعد هذه الرواية مباشرة من أن أول ما نزل عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو سورة المدثر.
ويلاحظ انه ليس في تلك الرواية ذكر لأي شئ من تلك الأمور الغريبة والعجيبة التي تضمنتها رواية عائشة السابقة عليها، فإن عدم ذكرها لشئ من ذلك يورث الشك والريب، ويثير أكثر من سؤال عن السبب في إهمال التعرض لذلك.
وثالثا: إن رواية الصحاح، بل وسائر الروايات تذكر: أن جبرئيل قد أخذ النبي (ص) فغطه، أي عصره وحبس نفسه أو خنقه حتى بلغ منه الجهد، أو حتى ظن أنه الموت، ثم أرسله، وأمره بالقراءة، فأخبره النبي (ص): أنه لا يعرفها، فلم يقنع منه، بل عاد فغطه، ثم أرسله، وهكذا ثلاث مرات.
ولنا على هذا الكلام العديد من الأسئلة.