ثم إنه يمكن تقريب كلام هذا المحقق بنحو آخر وهو أن قوله تعالى:
(أنزل فيه القرآن) إنما هو حكاية عن أمر سابق، ولا يشمل هذا الكلام الحاكي له إلا بضرب من العناية والتجوز، ولا الذي يأتي بعده، وإلا لجاء التعبير بصيغة المضارع، أو الوصف فإنه يكون حينئذ هو الأوفق (1).
ولعل ابن شهرآشوب كان ينظر إلى هذا حين قال في متشابهات القرآن: (والصحيح: أن القرآن في هذا الوضع لا يفيد العموم، وإنما يفيد الجنس، فأي شئ نزل فيه، فقد طابق الظاهر) (2).
هذا ولكن قد ورد ما يؤيد نزول القرآن دفعة واحدة أولا، ثم صار ينزل تدريجا بعد ذلك، فقد روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: يا مفضل، إن القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة، والله يقول: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن). وقال: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين) وقال: (لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك) قال المفضل: يا مولاي فهذا تنزيله الذي ذكره الله في كتابه، وكيف ظهر الوحي في ثلاث وعشرين سنة؟
قال نعم يا مفضل، أعطاه الله القرآن في شهر رمضان وكان لا يبلغه إلا في وقت استحقاق الخطاب، ولا يؤديه إلا في وقت أمر ونهي فهبط جبرائيل بالوحي، فبلغ ما يؤمر به وقوله: لا تحرك به لسانك لتعجل به (3).
ولكن ما سبق يضعف درجة الاعتماد على هذه الرواية.