مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٢٤٢
الشعر من حنايا نفسه فأبدع ما أبدع.
ومن الشعراء الذين وفقوا لممدوح جدير بمدحهم الشاعر محمد بن هاني الأندلسي شاعر المعز لدين الله الفاطمي الذي اطلق عليه معاصروه لقب (متنبي المغرب).
وربما كان ما يجعل ابن هاني جديرا بهذا اللقب هو أن مواضيع مدح ابن هاني للمعز، هي عين مواضيع مدح المتنبي لسيف الدولة. فقد كانت ظروف كلا الممدوحين متشابهة، وكان كلاهما مندفعا لمقاومة الخطر الخارجي المهدد للبلاد الاسلامية يومذاك بل أن مسؤولية المعز كانت أكبر، فهو مسؤول عن جبهة طويلة ممتدة على مدى شواطئ إفريقيا الشمالية كلها، ثم هو مسؤول عن الجزر الاسلامية المهددة وفي طليعتها جزيرة صقلية.
ولم يكن الوضع الإسلامي والوضع العربي يومذاك مما يقوى العزائم ويشحذ الهمم، بل كان شمل العرب والمسلمين ممزقا واختلافاتهم مشتدة، لا الهدف يجمعهم ولا الخطر يوحدهم.
وكان الأجنبي الطامع يعرف ذلك كله، وكانت نار الانتقام متأججة في نفوس البيزنطيين (الروم) الذين لم ينسهم تطاول الأيام ذكريات هزائمهم الماضية، وجلائهم عن بلاد الشام وغيرها، وكانوا يحنون للعودة إليها من جديد. بل أن نقفور فوقاس الثاني كان يهدد بالاستيلاء حتى على المدينة ومكة واستطاع تحقيق الكثير من أمانيه وفي ذلك يقول ابن هاني:
أسفي على الأحرار قل حفاظهم * لو كان يجدي الحر أن يتاسفا يا ويلكم أفما لكم من صارخ * الا بثغر ضاع أو دين عفا حتى لقد رجفت ديار ربيعة * وتزلزلت أرض العراق تخوفا فمدينة من بعد أخرى تستبى * وطريقة من بعد أخرى تقتفى والشام قد أودى وأودى أهله * إلا قليلا والحجاز على شفا هذه صرخة وطني مناضل يرى بلاده تتساقط أمام ضربات الأعداء، ويرى قومه متخاذلين، هذه صرخة وطني مناضل أكثر منها نغمة شاعر مداح.
والواقع أن المعز لدين الله الفاطمي كان في ذلك العهد أمل العرب والمسلمين وكانوا يتطلعون إليه من كل مكان، حتى من الأرض البعيدة عنه غير الخاضعة لسلطانه. فعند ما شعرت مثلا جزيرة (كريت) بالخطر الداهم، ولاحت لها طلائع الغزو مطلة من بعيد كان همها أن توصل نداءها إلى الرجل المأمول، ويحدثنا الدكتور حسن إبراهيم حسن وهو يتحدث عن كتاب (المجالس والمسايرات) للنعمان فيقول: " وعرض النعمان غير مرة لعلاقة المعز بالدولة البيزنطية فأوضح اعتماد حاكم الأندلس عبد الرحمن الناصر الأموي على الروم في صراعه مع الفاطميين، وصور ما حل بالروم وحلفائهم أمام أساطيل المعز تصويرا رائعا، وذكر الرسائل التي بعث بها أباطرة الدولة البيزنطية لاستدرار عطف المعز ومهادنته. ولأول مرة نسمع أن مسلمي جزيرة قريطش (كريت) الذي كانوا تحت الحكم العباسي يطلبون النجدة من المعز لحرب الروم. ومن دراستنا للوثائق التي تبولدت بين أهل قريطش وبين المعز لدين الله نرى ما وصلت إليه الدولة الفاطمية من وقوة ونفوذ ".
وابن هاني يدرك ذلك ويدرك أن ممدوحه أهل لما علق عليه من آمال فيقول.
لا تيأسوا فالله منجز وعده * قد آن للظلماء أن تتكشفا لقد كان المعز جديرا بالظرف الحرج الذي وضعته فيه الأيام، فلم يدع الوقت يذهب عبثا وأدرك للوهلة الأولى أنه امام خطر بري وآخر بحري قد يكون هو الأشد. لذلك صرف جهده أول ما صرفه إلى انشاء أسطول ضخم يتناسب مع المهمة الثقيلة التي تنتظره وهي حماية الشواطئ الإفريقية الشمالية من أي غزو متوقع، وبذل لهذا الأسطول أقصى ما يستطيع بذله حتى أصبح أسطوله سيد البحر المتوسط، وحتى صار مهددا للأعداء بعد أن كان الأعداء مهددين، وحتى صاروا يخشونه بعد أن كانت البلاد تخشاهم.
وقد كان هذا الأسطول أعظم ما يمكن أن يصل إليه أسطول في ذلك العصر مجهزا بأحدث الآلات الحربية والأدوات النارية. فأثار هذا الأسطول حماسة الشاعر ورأى فيه المخرج من الأخطار والحماية من النوازل، وهاج فيه اعتزازه وحميته، فانطقه ذلك بقصيدة هي بحق من فرائد الشعر العربي:
لك البر والبحر العظيم عبابه * فسيان أغمار تخاض وبيد وما راع ملك الروم الا اطلاعها تنشر أعلام لها وبنود عليها غمام مكفهر صبيره * له بارقات جمة ورعود مواخر في طامي العباب كأنه * لعزمك باس أو لكفك جود أنافت بها أعلامها وسمالها * بناء على غير العراء مشيد من الراسيات الشم لولا انتقالها * فمنها قنان شمخ وريود من الطير إلا أنهن جوارح * فليس لها إلا النفوس مصيد من القادحات النار تضرم للصلى * فليس لها يوم اللقاء خمود إذا زفرت غيظا ترامت بمارج * كما شب من نار الجحيم وقود فأنفاسهن الحاميات صواعق وأفواههن الزافرات حديد لها شعل فوق الغمار كأنها دماء تلقتها ملاحف سود تعانق موج البحر حتى كأنه * سليط لها فيه الذبال عتيد ثم يصف وصول وفود الروم متذللة تطلب الصلح مخاطبا المعز مشيرا إلى ما كان من تغلغل الروم قبل ذلك في بلاد الشام:
فلا غرو أن أعززت دين محمد * فأنت له دون الأنام عقيد غضبت له أن ثل في الشام عرشه * وعادك من ذكر العواصم عيد وقلت أناس ذا (الدمستق) شكره * إذا جاءه بالعفو منك بريد تناجيك عنه الكتب وهي ضراعة * ويأتيك عنه القول وهو سجود إذا أنكرت فيها التراجم لفظه * فأدمعه بين السطور شهود ليالي تقفو الرسل رسل خواضع * ويأتيك من بعد الوفود وفود ويمضي الأسطول العربي في أداء رسالته، وتجوب قطعه البحر المتوسط متحدية كل من تحدثه نفسه بالشر، وتعلن سفنه بنفسها عن نفسها، ثم تلتقي على غير موعد بسفن الأعداء فلا تلبث أن تصطدم بها، ويتهاوى الفريقان في نار الوغى ويتجالدون أعنف جلاد، تحفز الروم ثارات متأصلة وأوتار دفينة...
وتحفز العرب اخطار منتظرة وشرور مرتقبة ويتطلع العرب بقلوبهم إلى الوطن العربي العزيز ويتخيلون ما ذا سيحل بتلك الأرض الطيبة، إذا هم تزحزحوا عن موقفهم أو تزلزلوا في حربهم فيندفعون مكبرين وينطلقون مهللين فتنجلي المعركة عن نصرهم البحري الحاسم في معركة المجاز. ويكون الشاعر معهم
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301