ودفن في بنت جبيل.
كانت دراسته الابتدائية في بنت جبيل واستفاد في اللغة العربية وقواعدها من صحبة الشيخ علي شرارة. هاجر في مطلع شبابه إلى إفريقيا الغربية ولم تطل إقامته فيها فعاد إلى بلده وتعاطى بعض الأعمال التجارية. ثم استقر نهائيا في بيروت حتى وفاته.
هو من شعراء جبل عامل الذين وأكبوا نهضته فكانوا لسانه في وطنيتهم و أدبهم. ومما وصف به بعد وفاته: إبراهيم شرارة كما تعرفه منتدبات جبل عامل ومجالسه الأدبية ومهرجاناته واحتفالاته ومناسباته الأدبية والثقافية، من رعيل الأدباء العامليين الذين كانوا يؤثرون ان يخاطبوا بنتاجهم الشعري والأدبي جمهورا محليا، يعرفون نوابضه ويتواصلون معه على منابر متعددة قد يكون النشر أقلها رواجا. وبغياب إبراهيم شرارة يغيب اسم في آخر سلسلة من الأسماء قد تكون مع اسلافها الأوائل في قلب تاريخ مطوي للثقافة العاملية، يغدو أكثر فأكثر مستورا، لكن على يد إبراهيم وآخرين تم نقل الأدب العاملي من سلفية مغرقة إلى نفحة معاصرة كانت تهب من حواضر الأدب يومذاك في مصر ولبنان والمهجر. ولعل صدى الرومانطيقية في لبنان ومصر تسلل إلى أدباء جبل عامل الشبان آنذاك ليؤثر في كلامهم ونتاجهم وتؤثر الرقة الوافدة في اللغة العريقة الموروثة من شيوخ تشربوا الشعر من منابعه الأولى، وسلكوه من أعرق مسالكه وأوغلها في الزمن وأشركوا فيه مشاغل أخرى تشمل المكتبة العربية القديمة بشتى فروعها. والأغلب ان شعر إبراهيم ينضم إلى تراث واسع لم يكتب له ان ينتظم في التراث اللبناني بكليته، فقد كان هذا الأدب يتداول بين عائلات ثقافية ومنتديات أبرزها المنتدى الحسيني وأماسي سمر ومجالس أدب، وكان مكتفيا بتداوله هذا متآلفا معه. (1) وقال كاتب آخر متحدثا عن مجموعته الوحيدة التي طبع فيها شئ من شعره و سماها (في قرانا): اننا مع نصوص شاعر بقي في دائرة الريف العاملي حيث عاش وعايشة معظم أوقات حياته. ان الشاعر حين يستنطق الريف يدخل معه في خطاب رومانسي، وينتقل به من العين إلى الوجدان، من الوصف إلى العلن (2).
وقال كاتب آخر متحدثا عن المجموعة نفسها: في المضمون تتناول قصائده المكان القرية بفلاحيها وشجرها وحيواناتها وتبدلات الفصول مع نظم هذه العناصر في اطار الاصرار على الحياة، كما تتناول قصائده انطباعات جمالية صادرة عن اطار ثقافي راهن، وعن اطار ثقافي عريق، وفي الشكل تبدو قصائد إبراهيم شرارة ناتجة عن تراث بيئته اللغوي العريق (جبل عامل) وتراث التحديث العربي في صورته اللبنانية، شعر ما بين الحربين العالميتين.
ومن الرافدين اللغويين اتت قصائده أصيلة رقيقة في آن ونقلت أفق الشعر إلى الراهن بعد أن كان شعر جبل عامل محافظا واستمراريا (3).
وقال كاتب آخر متحدثا عنه بعد وفاته متطرقا إلى الشعر العاملي بعامة:
ان جبل عامل هو حكاية شعرائه، تماما كما أن شعراءه أيضا هم حكاية جبل عامل. ولذا فإننا حينما نتحدث عن الأدب العاملي كمدخل لفهم أحد شعرائه، فإنه من غير الجائز اعتبار ذلك تطلعا منا للفصل بين الكلمة في تلك المنطقة وأختها في اي مكان من الوطن أو العالم، ولا يجوز وصف ذلك بالانغلاق الثقافي والسياسي، لأن ما نبتغيه هنا هو تشريح جدلية العلاقة لأرض حوت في جوفها ايحاءات ومصادر تاريخية شعرية لشعرائها، تماما كما رمل الخليج خبا النفط الأسود لأهله.
انها علاقة الظل بالضوء، والوجه بالمرأة، والنكهة بالثمرة.
بهذا المعنى العميق والمنفتح لطبيعة سفر العاملي في رحاب ذاته فإن الشاعر الراحل إبراهيم شرارة " طائر غرد داخل سربه " العاملي. لكن هذا لم يجعله بالضرورة واحدا في جوقة كنيسية تردد نفس الكلام وذات اللحن، لقد كان طائرا عامليا بحق، ولكن كان لصوته صدى مميز ولرفيف جناحيه اختلاجات لا تشبه اختلاجات قلبه.
ولعل مقدرة إبراهيم شرارة على انتزاع تمايزه الفني من دون ان يترتب على ذلك خروجه من المؤسسة العاملية الشعرية القديمة لعل هذا بحد ذاته هو واحد من أهم خصائص الشاعر ومميزاته.
فالمؤسسة الشعرية العاملية، وبشهادة النقاد والعاملين في تاريخ الأدب هي مؤسسة قديمة جدا، وأهم ما يميزها في هذا المجال هو واقع أن سنوات عمرها المديدة لم يصبغ نتاجها بالملل والتكرار، كما هي العادة غالبا حينما تكون المصادر الفنية لأجيال متلاحقة هي ذاتها أو قريبة التشابه.
وكثيرا ما طرح السؤال: لما ذا لا يكرر الشعراء العامليون أنفسهم طالما أن شروط التكرار واخطاره موجودة؟!
ان إبراهيم شرارة هنا هو واحد من الأجوبة التي توضح هذا الأمر للمتسائلين.
فإبراهيم شرارة ظل عاملي القلب، وحسيني الدمعة والدم، ولم ير في غير التبغ عبقا يجسد رائحة الانسان، ولم يخرج في شعره عن جذوره (4) ومع ذلك كتب كلاما جديدا وقوافي جديدة، رغم أنها لا يمكن الا وضعها في ملف " الشعر العاملي الحسيني "، اتسم بالصدق وتلظى حرارة الاحساس عند التعبير والنظر إلى الأشياء. وأدب كالأدب العاملي سمته الصدق في أهم أعمدته، هو ملتزم في جوهره حتى قبل أن تأخذ هذه الكلمة تحديدها الاصطلاحي الفني. ولذا فإن أحد أهم الشعارات التي سارت تحتها مظاهرات الحداثة الالتزام...
الكلمة السيف، كانت أصلا في صلب الأدب العاملي الذي يغني قضيته التاريخية.
ويتجلى هذا الأمر في الأدب العاملي إلى درجة ان البعض يأخذ على العامليين التزامهم هذا، وينعته بالانغلاق والبقاء عند الاطلال. وكان يمكن لنا أن نسلم جدلا بهذا الكلام لو أن شعراء جبل عامل اكتفوا بالماضي أو لو أنهم لم يأخذوا من الماضي هوية نضالية ليعلنوا عبرها انتماءهم لقضايا الحاضر.
ان البعض، ولأسباب غير مقدسة لا يريد أن يفهم أو يقر بأهمية المصادر الفنية العاملية، ويريد أن ينكر على الأدب العاملي مشروعية مصادره و أهميتها،