ذلك رجل استكفاه قوم فكفاهم والله لوددت أنى وجدت مثل الحجاج حتى أستكفيه أمرى وأنزله أحد الحرمين قال فقال له معن يا أمير المؤمنين إن لك مثل الحجاج عدة لو استكفيتهم كفوك قال ومن هم كأنك تريد نفسك قال وان أردتها فلم أبعد من ذلك قال كلا لست كذاك إن الحجاج ائتمنه قوم فأدى إليهم الأمانة وإنا ائتمناك فخنتنا * ذكر الهيثم بن عدي عن أبي بكر الهذلي قال سرت مع أمير المؤمنين المنصور إلى مكة وسايرته يوما فعرض لنا رجل على ناقة حمراء تذهب في الأرض وعليه جبة خز وعمامة عدنية وفى يده سوط يكاد يمس الأرض سرى الهيئة فلما رآه أمرني فدعوته فجاء فسأله عن نسبه وبلاده وبادية قومه وعن ولاة الصدقة فأحسن الجواب فأعجبه ما رأى منه فقال أنشدني فأنشده شعر الأوس ابن حجر وغيره من الشعراء من بنى عمرو بن تميم وحدثه حتى أتى على شعر لطريف بن تميم العنبري وهو قوله إن قناتي لنبع لا يؤيسها * غمز الثقاف ولا دهن ولا نار متى أجر خائفا تأمن مسارحه * وإن أخف آمنا تقلق به الدار إن الأمور إذا أوردتها صدرت * إن الأمور لها ورد وإصدار فقال ويحك وما كان طريف فيكم حيث قال هذا الشعر قال كان أثقل العرب على عدوه وطأة وأدركهم بثأر وأيمنهم نقيبة وأعساهم قناة لمن رام هضمه وأقراهم لضيفه وأحوطهم من وراء جاره اجتمعت العرب بعكاظ فكلهم أقر له بهذه الخلال غير أن امرءا أراد أن يقصر به فقال والله ما أنت ببعيد النجعة ولا قاصد الرمية فدعاه ذلك إلى أن جعل على نفسه ألا يأكل إلا لحم قنص يقتنصه ولا ينزع كل عام عن غزوة يبعد فيها أثره قال يا أخا بنى تميم لقد أحسنت إذ وصفت صاحبك ولكني أحق ببيتيه منه أنا الذي وصف لا هو * وذكر أحمد بن خالد الفقيمي أن عدة من بني هاشم حدثوه أن المنصور كان شغله في صدر نهاره بالامر والنهى والولايات والعزل وشحن الثغور والأطراف وأمن السبل والنظر في الخراج والنفقات ومصلحة معاش الرعية لطرح عالتهم والتلطف لسكونهم وهدئهم فإذا
(٣١٥)