والحاصل أن المتصور من الخرس ثلاثة: أحدها الأبكم الأصم خلقة الذي لا يعرف أن في الوجود لفظا أو صوتا. ثانيها الأبكم الذي يعرف أن في الوجود ألفاظا وأن المصلي يصلي بألفاظ أو قرآن. ثالثها الأخرس الذي يعرف القرآن أو الذكر ويسمع إذا أسمع ويعرف معاني أشكال الحروف إذا نظر إليها، وقد جعل موضوع حكم الأصحاب بالتحريك وعقد القلب الثالث، أو هو والثاني بالنسبة إلى عقد القلب دون التحريك، لأنه هو الذي يتصور فيه ذلك بعد إرادة الألفاظ من عقد القلب، وفيه أن ظهور الخرس في غيرهما وفيما هو أعم منهما مما يعين إرادة المعنى من عقد القلب كما سمعته من الشهيد، وأن المراد إبراز الأخرس هذه المعاني كما يبرز سائر مقاصده بتحريك لسانه والإشارة بيده، ولعل في لفظ الإشارة في خبر السكوني وعبارات أكثر الأصحاب إن لم يكن جميعهم إشارة إلى ذلك، إذ من المستبعد إرادة مجرد التعبد منها أو خصوص ما يفيد التوحيد من القرآن والذكر، لأنها إنما تفعل لافهامه، بل قد يتوقف في وجوب التحريك على الثالث لما عرفت، فيكون موضوع كلام الأصحاب الخرس بالمعنيين الأوليين، إذ دعوى عدم وجوب التحريك على الثاني كما في كشف اللثام للأصل وخبر قرب الإسناد السابق غير مسموعة بعد إطلاق خبر السكوني المعتضد بامكان جريان قاعدة اليسر فيه أيضا، فيجب حينئذ كما عن الذكرى، واكتفاء الفاضل في المحكي عن تذكرته ونهايته لجاهل القرآن والذكر إذا ضاق الوقت أو فقد المرشد بالقيام قدر الفاتحة لا يستلزم الحكم فيما نحن فيه، لعدم صدق الخرس، ولا أن المعروف في إبراز مقاصده التحريك والإشارة، فيكون حينئذ هذا التحريك والإشارة فيه من المهملات والأفعال العبثية بخلاف محل الفرض.
وما في كشف اللثام أيضا من أن الواجب إنما هو التلفظ بالحروف، والتحريك تابع له في الوجوب لما لم يمكن التلفظ بها بدونه يدفعه أنه اجتهاد في مقابلة النص أولا،