العبارات الظاهرة في أن للاخفات فردا أعلى من إسماع النفس عليه أيضا، إذ هي إما منافية وابتنائها على أن بينهما العموم من وجه، أو يكون المراد منها ما ذكرناه من بعض صور إسماع الغير التي لا يتحقق بها الجهر، فأقله حينئذ إسماع النفس، وأعلاه إسماع الغير الذي يكون أبعد عن النفس في الجملة، على أنه يمكن القول على الايهام المذكور بعدم إجزاء فرد الاجتماع في شئ منهما، وأن التقابل إنما هو في فردي الافتراق، ضرورة استلزام اجتماع الأمر والنهي فيه، وظهور اقتضاء التقابل خلافه، لا أنه يجتزى به في كل منهما كي يتأتى الاعتراض السابق، ولكن الفتوى على الأول.
وظني أنه ينطبق على ما ذكره المحقق الثاني وتبعه عليه من تأخر عنه كما اعترف به هو، إذ حاصله أن المرجع فيهما إلى العرف كما هو الضابط في كل ما لم يرد به تحديد شرعي، والجهر يتحقق فيه باسماع القريب عرفا مع فرض عدم المانع من هواء أو ماء بسبب إظهار جوهر الصوت والجرسي منه الذين بهما يتحقق الجهر عرفا، والاخفات باسماع النفس أو مع الغير لكن باخفات الصوت وهمسه وعدم ظهور الجرسي منه، فهما حينئذ ضدان، وأنه لا يعتبر في الجهر إسماع الغير وإن أمكن دعوى لزومه له، كما أنه لا يعتبر في الاخفات عدم إسماع الغير، ضرورة حصول مسماه عرفا بالتقدير المزبور وإن أسمع الغير، بل في كشف اللثام عسى أن لا يكون إسماع النفس بحيث لا يسمع من يليه مما يطاق، وكأنه يريد بيان شدة العسر والحرج لو اعتبر في الاخفات عدم إسماع الغير، بل في الرياض أنه يعضد العرف ما في الصحاح (جهر بالقول رفع الصوت به) قيل: ويظهر من القاموس ذلك أيضا، قلت: وفي المجمل (الجهر الاعلان بالشئ، والخفت إسرار النطق) ويقرب منه ما في مختصر النهاية الأثيرية، ويدل عليه أيضا مع ذلك ما عن العيون (من أن أحمد بن علي صحب الرضا (ع) فكان ما يسمع ما يقوله في الأخراوين من التسبيحات) وما تقدم من خبر رجاء بن