وجوب الجهر في الصلاة مثلا، على أنه أخص من الدعوى، إلا أن يراد كونه عورة كالبدن يجب ستره في الصلاة وإن لم يكن أجنبي وفيه منع واضح، خصوصا والمستدل به يذهب إلى تخييرها بينه وبين الاخفات إذا لم يكن أجنبي، مضافا إلى أن معارضته لما دل على وجوب الجهر من وجه، فيحتاج تحكيمه عليه حينئذ إلى الترجيح، وإلى إمكان اختصاص الحرمة بالسامع دونها، وإلى ما في الحدائق وحاشية الأستاذ الأكبر من أنه على تقدير الحرمة لا وجه للفساد، ضرورة كون النهي عن أمر خارج، وفيه أنه ليس الجهر إلا الحروف المقروة، ضرورة كونها أصواتا مقطعة غالبا كان الصوت أو خفيا، فليس هو حينئذ أمرا زائدا على ما حصل به طبيعة الحرف مفارقا له كي يتوجه عدم البطلان كما هو واضح، ونحوه الغناء في القراءة، ولعل ذا هو مراد الأصوليين بجعل الجهر والاخفات من الصفات اللازمة، لكن على كل حال لا تتم دلالة الدليل المزبور على تمام المطلوب.
كما أنه لا يتم الاستدلال عليه أيضا بما في الرياض من اختصاص النصوص الموجبة له وللاخفات بحكم التبادر من سياق أكثرها وفتوى الفقهاء بالرجل دونها، فتبقى على الأصل حينئذ، قال: ومنه يظهر عدم وجوب الاخفات في مواضعه أيضا كما صرح به جمع، ولكن ينافيه ظاهر العبارة ككثير حيث خصوا الجهر بالنفي، ووجهه غير واضح، إذ فيه أولا منع اختصاص النصوص بالرجل، بل فيها الفعل المبني للمجهول ونحوه مما يشملهما مما، وثانيا بعد التسليم فليس هو إلا موردا لا يعارض قاعدة الاشتراك الثابتة بالاجماع وغيره، بل الواجب التمسك بها إلا أن يعارضها ما هو أقوى منها، بل لا يقدح وقوع الخلاف في التمسك بها في محله فضلا عن غيره وإن كان الاجماع عمدة أدلتها، ضرورة انعقاده على القاعدة التي قامت حجة بنفسها من غير حاجة إليه.