ما ذكرنا من إرادة أنه بسبب صورة استقباله لها يتراءى له حتى يظن أي يحتمل أن الكعبة في كل خط من خطوطه في نفسه وحد ذاته، وإلا فقد يقطع بالعدم من جهة أمر خارجي وإن بقي صورة الاستقبال المورث للاحتمال لولا سبب العلم من خارج، فتأمل وكذا الكلام في تعريفها في الذكرى، والمحكي عن الجعفرية من أنها السمت الذي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة.
وأغرب ما وقع في تفسير الجهة ما يحكى عن المقداد والمحقق الثاني في شرح الألفية، قال أولهما: (جهة الكعبة التي هي القبلة للنائي خط مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب الاعتداليين، ويمر بسطح الكعبة، فالمصلي حينئذ يفرض نظره خطا يخرج إلى ذلك الخط، فإن وقع عليه على زاوية قائمة فذاك هو الاستقبال، وإن كان على حادة ومنفرجة فهو إلى ما بين المشرق والمغرب) وفيه أنه لا يصدق عليه استقبال الكعبة عرفا ولا شرعا، إذ هذا الخط ليس كعبة كي يكون استقباله استقبالها، وقال ثانيهما: (إنها ما يسامت الكعبة عن جانبيها بحيث لو خرج خط مستقيم من موقف المستقبل تلقاء وجهه وقع على خط جهة الكعبة بالاستقامة بحيث يحدث عن جنبيه زاويتان قائمتان، فلو كان الخط الخارج من موقف المصلي واقعا على خط الجهة لا باستقامة بحيث يكون إحدى الزاويتين حادة والأخرى منفرجة فليس مستقبلا لجهة الكعبة) وظني أن الذي أوقع هؤلاء الفضلاء في مثل هذا الوهم التعبير بلفظ الجهة، ولو أنهم عبروا بما في النصوص من أنه يجب على كل أحد استقبال الكعبة، وأنه لا يقبل الله من أحد توجها إلى غيرها، وأنها هي قبلة المسلمين لم يقع أحد منهم في هذا الوهم، ضرورة كون المدار على صدق الاستقبال وإن اختلفت أفراده ومصاديقه بحسب القرب والبعد، وليس استقبال الجهة بالمعنى المزبور منها قطعا، ضرورة اجتماعها مع فرض كون الكعبة