للجرم من بعد، أما مع غيبوبته عن البصر بسبب زيادة البعد فلا مقابلة صورية يتحقق بها صدق الاستقبال عرفا، إذ من الواضح أن المقابلة المزبورة ليست وهمية محضة تحصل بسبب الابصار واتصال شعاع البصر، بل هي شئ متحقق في نفس الأمر يحصل تصوره مع فرض قطع النظر عن الابصار أصلا، فيكفي في الصدق عرفا تقدير الابصار، بمعنى أنها تصدق المقابلة بمجرد فرض فضاء الكعبة المتصل إلى عنان السماء مما يرى ويشاهد، كما هو واضح بأدنى تأمل، بل ربما ادعي امكان مشاهدته من جهة علوه وارتفاعه واتصاله بعنان السماء، إلا أنه لا يشخص لاشتباهه في غيره، فوضعت هذه العلامات لتمييزه من بينها ولو على جهة الظن، فهو حينئذ كالمشاهد المستقبل من بعد وإن كان فيها ما فيها.
وعلى كل حال فليس المدار حينئذ في القريب والبعيد إلا استقبال الكعبة التي لم يقبل الله من أحد توجها إلى غيرها، نعم لما كان البعيد بسبب زيادة البعد وغيبوبة المستقبل عن المشاهدة لم يكن له طريق إلى احراز هذه المقابلة أي مقابلة البعيد من حيث كونها مقابلة بعيد التي قد عرفت عدم اعتبار اتصال الخطوط فيها إلا باستعمال الأمارات الهيئية، لانحصار حصول الظن الواجب مراعاته بعد انتفاء العلم بسبب الأمر بتحري القبلة على حسب الجهد والطاقة غالبا بها، فهي حينئذ بالنسبة إلينا لا تفيد إلا الظن في حصول الجهة بمعنى المقابلة المزبورة، ولعلها كذلك لأهلها أيضا، ضرورة توقفها على إرصاد وإعمال لا يأمن الخطأ فيها مستعملها، نعم ربما يحصل العلم للمتوغل في معرفتها الآمن على نفسه الخطأ في كيفية الاستعلام بها، كما أنه ربما يحصل العلم بالجهة المزبورة بفعل المعصوم المعلوم تنزيهه عن الخطأ في تحصيل الجهة المذكورة، لما فيه من النقص المنفر للطباع عنه، كالتحير في تحصيل القبلة، ويكفي في النقص عليه معرفة خطأه في ذلك ولو عند علماء الهيئة العارفين في تحصيل الجهة، وكيف يجوز عاقل قصور سلطان الخلق عن معرفة بعض ما عند رعيته، وربما أدى ذلك إلى السخرية عليه والاستخفاف