قلنا: لا نعلم من الجنابة والمحدثية إلا حالة شرعية حاصلة بعد خروج المني، والمراد بالحالة الشرعية الوصف الجعلي من الشارع، وهو كونه بحيث تتعلق به أمور شرعية، وبعد منع تعلقها بغير المعين لا نسلم كونه جنبا ومحدثا.
سلمنا أن الجنابة والمحدثية أمران واقعيان مترتبان على خروج المني مطلقا، يعني أنهما حالتان غير كون الشخص مورد الأحكام الشرعية، ولازمه كون واحد معين منهما واقعا غير معين عندنا جنبا ومحدثا، ولكنه لا يضر إلا فيما علم فيه وجود الواحد لا بعينه من الفردين، وكونه منشأ للأثر الشرعي من المانعية أو السببية أو غيرهما، كما فيما إذا اشتبه ماء طاهر مع نجس، فكل منهما بخصوصه وإن لم يكن نجسا، ولكن واحد غير معين منهما نجس، فإذا وقعا معا على ماء قليل فبوقوعهما معا فيه يعلم وقوع الواحد لا بعينه الذي هو معلوم النجاسة فيه، لعدم خروجه عنهما، ولأجله ينجس الماء القليل، لصدق وقوع النجس وهو واحد غير معين منهما فيه وإن لم ينجس لخصوصية كل منهما.
وتوضيحه: أن ها هنا ثلاثة أمور. هذا بخصوصه، وهذا بخصوصه، وواحد لا بعينه منهما، وحال كل منهما بخصوصه واقعا غير معلوم، وظاهرا هو ما يوافق الأصل. وأما الواحد لا بعينه فخارج عن الأصل واقعا يقينا، وظاهرا، ففي المثال يقال: إنه نجس واقعا فكذا ظاهرا لتبعية الظاهر للواقع بعد معلوميته.
فكل مورد لم يعلم تحقق الأوحد لا بعينه لا يتحقق الحكم المخالف للأصل، كما إذا وقع أحد الماءين في قليل.
وكذا إذا علم تحققه ولكن من غير اجتماع في مورد واحد، كما إذا وقع أحدهما في قليل وآخر في آخر، أو علم تحققه في مورد واحد ولم يكن مؤثرا، وذلك كما في اجتماع الشريكين المذكورين في صلاة الجمعة، فإنه قد تحقق فيها هذا بخصوصه الذي ليس جنبا ظاهرا، وهذا بخصوصه الذي أيضا كذلك، والواحد الغير المعين الذي هو جنب، ولكن بانضمام الخصوصيين اللذين ليسا بجنبين قد تم عدد الجمعة فانعقدت، غاية الأمر تحقق الواحد الغير المعين أيضا، ووجوده.