البوريني إلى المجلس رأى فيه صاحب الترجمة بهيئة السياح وهو في صدر المجلس والجماعة محدقون به، وهم متأدبون غاية التأدب، فعجب البوريني وكان لا يعرفه ولم يسمع به فلم يعبأ به ونحاه عن مجلسه وجلس غير ملتفت إليه، وشرع على عادته في بث رقائقه ومعارفه إلى أن صلوا العشاء.
ثم جلسوا فابتدر البهائي في نقل بعض المناسبات، وانجر إلى الأبحاث، فأورد بحثا في التفسير عويصا، فتكلم عليه بعبارة سهلة فهمها الجماعة كلهم، ثم دقق في التعبير حتى لم يبق يفهم ما يقول إلا البوريني.
ثم أغمض في العبارة فبقي الجماعة كلهم والبوريني معهم صموتا جمودا لا يدرون ما يقول غير أنهم يسمعون تراكيب واعتراضات وأجوبة تأخذ بالألباب، فعندها نهض البوريني واقفا على قدميه وقال:
إن كان ولابد فأنت البهائي الحارثي إذ لا أجد بهذه المثابة إلا ذاك واعتنقا وأخذا بعد ذلك في إيراد أنفس ما يحفظان، وسأل البهائي من البوريني كتمان أمره وافترقا تلك الليلة، ثم لم يقم البهائي فأقلع إلى حلب.
وذكر الشيخ أبو الوفا العرضي في ترجمته قال: قدم حلب مستخفيا في زمن السلطان مراد بن سليم مغيرا صورته بصورة رجل درويش، فحضر درس الوالد يعني الشيخ عمر، وهو لا يظهر أنه طالب علم حتى فرغ من الدرس، فسأله عن أدلة تفضيل الصديق على المرتضى، فذكر حديث " ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر " (1)، وأحاديث مثل ذلك كثيرة (2). فرد عليه، ثم أخذ يذكر أشياء