وأخرى: لا يكون المكلف متمكنا من الاحتياط في ظرف الامتثال واحراز الامتثال، بل غاية ما هنالك هو احتماله موافقة ما جاء به لما هو المأمور به واقعا ومصادفته للواقع، كما في بعض موارد حصول السهو والشك، وعدم العلم بحكمه، فإنه قد لا يتمكن من الاحتياط فيأتي بالعمل بنحو يحتمل موافقته للواقع كما يحتمل مخالفته للواقع. ففي مثل هذه الحال يجب التعلم بحكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، وذلك لان التكليف وان كان مجهولا إلا أنه لا يكون مجرى لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، كي يطمئن العبد بعدم العقاب، وذلك لان العقل انما يحكم بمعذورية الجاهل وقبح عقابه فيما لم يكن هناك بيان أصلا، أو كان ولكن لم يتمكن المكلف من العثور عليه وتحصيله بعد التصدي لذلك، اما مع وجود البيان وعدم الفحص عنه واهمال التصدي لمعرفة ما بينه المولى وانه هل يتكفل حكما إلزاميا أولا؟ فلا يستقل العقل بقبح العقاب مع مخالفته الواقع جهلا.
وعليه، فإذا استحق العبد - فيما نحن فيه - العقاب على المخالفة، فمع احتمالها يحتمل العقاب، فلا بد من دفعه لحكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، ودفعه انما يكون بالتعلم. فلزوم التعلم ملاكه حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، لا قاعدة: " الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار " أو لزوم تحصيل غرض المولى.
وبهذا البيان يتضح انفراد التعلم عن المقدمات المفوتة انما يثبت في المورد الذي يعلم بثبوت التكليف المتوقف على المقدمة في ظرفه علما وجدانيا أو تعبديا أو عاديا، إذ بدون ذلك لا يعلم بوجود الملزم كي يجب تحصيله. وليس الامر كذلك في وجوب التعلم، فإنه يثبت مع احتمال التكليف احتمالا عقلائيا، وإن لم يتحقق العلم، إذ باحتمال التكليف يحتمل العقاب بمخالفته، فيحكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل.
الثانية: ان استحقاق العقاب على المقدمات المفوتة يثبت من حين تركها،