يكون ببيان ان الصلاة الإخفاتية تفي بمقدار من المصلحة الملزمة بنحو لا مجال حينئذ لتدارك الباقي من مصلحة الجهر مع لزومه، والا فيؤمر بالجهر حينئذ، فالحال فيهما نظير أكل الشخص المأمور بالأكل الجيد، للنوع الردئ الموجب للشبع فلا يبقى معه مجال للأكل الجيد فيسقط الامر به مع مؤاخذته لتفويته مصلحة الجيد الملزمة.
وعليه، فثبوت الامر بالاخفات انما يكون في الفرض الذي لا يبقى مجال لاستيفاء مصلحة الجهر، والا فيؤمر به لا بالاخفات. وليس ذلك الا حال الاتيان بالاخفات، إذ قبل الاتيان به إما ان يترك الجهر آنا ما أو يترك الصلاة بالمرة إلى آخر الوقت. اما تركه الجهر في بعض الوقت فلا يكون موضوعا لوجوب الاخفات، إذ لا يلتزم أحد بأنه متى ما اخر المكلف صلاته الجهرية عن أول الوقت كلف بالاخفات، كما أنه لا معنى للامر به مع امكان استيفاء مصلحة الجهر. واما لو ترك الصلاة بالمرة فكذلك لا يكون مكلفا بالصلاة الإخفاتية لخروج الوقت ولا يكشف ذلك عنه، فموضوع الامر بالاخفات هو الترك أو العصيان المساوق لاستيفاء بعض المصلحة وعدم امكان استيفاء الباقي منها، وذلك لا يكون إلا بالاتيان بالصلاة اخفاتا. فيلزم ان يعلق الامر بالشئ على الترك المتحقق بذلك الشئ وهو مما لا اشكال بامتناعه. ومن الواضح ان هذا المحذور لا يبتني على أن يكون الجهر والاخفات من الضدين اللذين لا ثالث لهما، إذ هو يتأتى حتى بناء على أن الامر يتعلق بالقراءة الجهرية والاخفاتية، أو بالصلاة الجهرية والاخفاتية، لأنه ينشأ من تقييد الامر بالاخفات بالترك الخاص لا بمطلق الترك. فالتفت.
التنبيه الخامس: لا يخفى ان الترتب انما يجري لرفع محذور التزاحم بين الحكمين، فلو كان في اجتماع الحكمين محذور آخر غير التزاحم فلا يرفعه الترتب، كما لو لزم من اجتماع الحكمين اجتماع الضدين في شئ واحد. مثاله: