هذا حال العين والذهن مع قطع النظر عن الوضع والدلالة. وأما بالنظر إليهما، فقد يريد المتكلم أن يحكي عن الخارج على ما هو عليه من ارتباط الجواهر بالاعراض، وحصول الاعراض للجواهر، فلا بد له من التشبث بألفاظ الحروف والهيئات، وسيأتي الفرق بينهما (1)، كما أنه لو أراد الحكاية عن الصور المعقولة المرتبطة فلا محيص له إلا التشبث بها، فلو قال: (زيد ربط قيام)، أو (زيد سير ابتدأ كوفة انتهاء بصرة) مثلا، تكون ألفاظ مفردة غير مترابطة، غير حاكية عن الواقع، ومن هذا يتضح أن هذا النوع من الحروف - أي (في) و (على) و (من) و (إلى) - إنما هي حاكية حكاية تصورية عن الارتباطات بين المعاني الاسمية.
مع أن الامر أوضح من ذلك ضرورة أنه لو حاول أحد تجزئة قولنا:
(سرت من البصرة إلى الكوفة)، وقاس كل لفظ منه إلى الواقع، لوجد دلالة مادة الفعل على طبيعة السير، وهيئته على الانتساب الصدوري إلى المتكلم، والبصرة والكوفة على البلدين، و (من) و (إلى) على الابتداء والانتهاء المرتبطين بالسير والبلدين، والهيئة على تحقق الارتباطات كما سيأتي بيانه (2)، فهذه الحروف حاكية عن الارتباطات والإضافات بين الجواهر والاعراض - سوأ في الخارج أو الذهن - وموقعة للارتباط بين ألفاظ الأسماء في الجمل تبعا واستجرارا، لا ملحوظا بالاستقلال، فلو لا محكياتها ومعانيها