وأما توهم: أن هذا الوجه يرجع إلى مستحيل آخر، وهو اتحاد الموضوع والحكم (1)، فهو فاسد، ولا أرى له وجها، لأن الموضوع المأخوذ مفروض الوجود، ليس هو الأمر حتى يكون الحكم نفس ذلك الأمر فيتحدان، بل الموضوع المأخوذ مفروض الوجود مشتمل على أجزاء، ومنها: قصد الأمر، فيلزم تقدم الشئ على نفسه، فلا تخلط.
أقول: ظاهر هذه التقارير في إحداث الإشكال في المسألة، واضح المنع، ضرورة انتقاضه أولا: بأن جميع الفواعل الاختيارية، تحتاج في فاعليتها إلى تقدير العلل الغائية، ولو كانت العلل الغائية مترتبة على الأفعال الاختيارية للزم الدور.
وثانيا: حله أن ما هو المتقدم ليس عين ما هو المتأخر، فإن ما هو المتقدم هو المعنى التصوري الموجود في الذهن، وما هو المتأخر هو المعنى الخارجي، فهما شخصان من الوجود.
وفيما نحن فيه أيضا ما هو المتقدم هو المعنى التصوري من الأمر، وما هو المتأخر هو المعنى الواقعي والتصديقي، أي كما يلاحظ الحاكم سائر القيود، ويتعلق حكمه وأمره بها، كذلك يتصور قصد الأمر، وهو ليس إلا مفهوما كسائر القيود المأخوذة، ويتعلق به بعين تعلقه بالكل، وبنفس المقيد والقيد، من غير فرق بينهما.
هذا، وفي دفع الإشكال الأول المربوط بأصل التصور نقول: إنه لا يتوقف تصور مفهوم " الأمر " بالحمل الأولي على الموضوع، لعدم التضايف بينهما، وأما في مرحلة الجعل والإنشاء، فلا دور وإن كان توقف في البين، كما عرفت.
خامسها: لزوم تقدم المتأخر بالطبع، وذلك لأن الحكم ليس من العوارض الخارجية، كعوارض الوجود، ولا من العوارض الذهنية، كعوارض الماهية بما هي