الثالث: في مبادئ وجود الإرادة بعد الفراغ من الإرادة وجودا وماهية، يقع البحث في مبادئ وجودها، وقد مر أيضا تحقيق ذلك (1)، وعرفت أن منها: التصور، ومنها: التصديق بلزوم وجوده، لا بالفائدة، فإنه كثيرا ما يشك في فائدة أمر وثمرته، ولكن بالاحتمال يريد الانسان إيجاده.
ولكن ليس معنى ذلك، أن مع التردد اللبي في النفس، يتمكن النفس من خلق الإرادة، بل لا بد من الجزم بلزوم ذلك، وأن وجوده وإن كان محتملا، لفائدة أحسن من عدمه. فما ترى في كتب القوم: من اعتبار التصديق بالفائدة (2)، إن كان معناه ذلك فهو، وإلا فهو ليس من المقدمات الحتمية.
وليس منها الشوق والميل النفساني، لاقدام الانسان على المضار التي بالقياس إلى الخيرات العالية أولى من الترك، كشرب الأدوية، وأمثال ذلك.
إن قلت: بعد إدراك توقف الخير الكثير على إرادة المكروه، يشتاق إليه النفس، وتميل إليه وتطلبه.
قلت: قد أشير إلى أن ذلك ليس من الطيب النفساني والشوق الحيواني، بل هي الطيبة العقلائية والميل الإدراكي (3)، ولا يمكن إرادة الشوق العقلائي فيما ذكروه من مبادئ الإرادة، لأن ما جعلوه منها أعم من المبادئ لإرادة الانسان أو الحيوان، وهذا الدرك العالي والطيب العقلائي غير متصور فيه.