وإذا اتضح المقصود من الكلمات التي وردت في العنوان يتضح المقصود من النزاع ومحله هنا، فإنه يرجع إلى النزاع في الملازمة العقلية بين النهي عن الشئ وفساده. فمن يقول بالاقتضاء فإنما يقول بأن النهي يستلزم عقلا فساد متعلقه، وقد يقول مع ذلك بأن اللفظ الدال على النهي دال على فساد المنهي عنه بالدلالة الالتزامية. ومن يقول بعدمه إنما يقول بأن النهي عن الشئ لا يستلزم عقلا فساده.
أو فقل: إن النزاع هنا يرجع إلى النزاع في وجود الممانعة والمنافرة عقلا بين كون الشئ صحيحا وبين كونه منهيا عنه، أي أنه هل هناك مانعة جمع بين صحة الشئ والنهي عنه أولا؟
ولأجل هذا تدخل هذه المسألة في بحث الملازمات العقلية كما صنعنا.
ولما كان البحث يختلف اختلافا كثيرا في كل واحدة من العبادة والمعاملة عقدوا البحث في موضعين: العبادة، والمعاملة. فينبغي البحث عن كل منهما مستقلا في مبحثين:
المبحث الأول النهي عن العبادة المقصود من " العبادة " التي هي محل النزاع في المقام: العبادة بالمعنى الأخص، أي خصوص ما يشترط في صحتها قصد القربة، أو فقل هي خصوص الوظيفة التي شرعها الله تعالى لأجل التقرب بها إليه.
ولا يشمل النزاع العبادة بالمعنى الأعم، مثل غسل الثوب من النجاسة، لأ أنه وإن صح أن يقع عبادة متقربا به إلى الله تعالى لا يتوقف حصول أثره المرغوب فيه - وهو زوال النجاسة - على وقوعه قربيا، فلو فرض وقوعه