الثاني: في إمكان الإرادة ووقوعها ربما يخطر بالبال شبهات في أصل وجود الإرادة، وكان الأولى تقديمها، لأن " ما " الحقيقية متأخرة عن " هل " البسيطة، إلا أن مفروغية وجودها حدانا إلى الغور في ماهيتها أولا.
ومن تلك الشبهات: أنها لا أصل لها، بل هي العلم بالصلاح.
أما في إله العالم، فهو صريح كلمات الفلاسفة وأرباب الحكمة المتعالية (1)، فهي فيه علمه بنظام العالم على الوجه الأتم الأكمل، فإن هذا العلم من حيث أنه كاف في وجود النظام الأتم، ومرجح لطرف وجوده على عدمه، إرادة.
وأما فينا، فإنا إذا أدركنا لزوم وجود شئ، تتحرك القوة المنبثة بعد ذلك الإدراك نحوه، وأما إذا قصر إدراكنا عن لزومه، وضعف عن لا بدية تحققه لجهة من الجهات، فلا حركة عقيبه.
بل في كلامهم: " إن العلم إذا تأكد، يصير سببا للوجود الخارجي، كالماشي على شاهق جدار ضيق عرضه، إذا غلبه توهم السقوط، يصير سببا لسقوطه فلا يستبعد أن يكون العلم الأزلي سببا لوجود الكائنات " (2).
أقول: الحق أن الإرادة غير العلم حتى فيه تعالى، وذلك لأن الخلط في كفاية إحدى الصفات عن الصفة الأخرى في حقه، كالخلط الذي ابتلي به المتكلم في القول بعدم وجود الأوصاف فيه تعالى، لكفاية الذات، فإنه باطل إذا رجع إلى فقد كمال الوصف، وصحيح إذا رجع إلى الوحدة المحضة في حقه تعالى وتقدس،