إذا عرفت ذلك، فالبحث في مسائل الاجزاء يتم في مواقف:
الموقف الأول في أن الاجزاء عند الامتثال ليس قهريا المعروف والمشهور بين أبناء التحقيق: أن إتيان المأمور به على قيوده وشرائطه، علة تامة لسقوط الأمر وحصول الغرض (1)، فلا معنى للبحث عن الاجزاء بالنسبة إلى الأمر المتعلق بذلك المأمور به، واقعيا كان، أو اضطراريا، أو ظاهريا.
وبعبارة أخرى: الأمر الداعي إلى الصلاة المائية، بعد الإتيان بها يسقط قطعا، وهكذا ما هو الداعي إلى الترابية، أو الطهارة الاستصحابية الظاهرية، فإنه بمجرد الإتيان بكل واحد منها، لا يبقى له أثر، ولا معنى للتعبد به ثانيا وثالثا، من غير الحاجة إلى البرهان، فكما أن الامتثال عقيب الامتثال ممتنع، كذلك تبديل الامتثال بالامتثال الآخر ممتنع، والامتثال عقيب العصيان - مع فرض وحدة الأمر والطلب - ممتنع، وبالعكس.
وكل ذلك لملاك واحد، وهو أن مفهوم " الامتثال " و " العصيان " متقومان بالأمر، وحيث لا أمر لسقوطه، لا يمكن أن يتحقق أحد هذين المفهومين ثانيا.
وأما سقوط الأمر بعد الامتثال فهو واضح، فإنه كسقوط الإرادة في الأفعال المباشرية، فكما لا يعقل بقاء الإرادة مع تحقق المراد، لا يعقل بقاء الأمر مع تحقق المأمور به على الوجه المعتبر، ومع جامعيته لما اعتبر فيه، وقد مر شطر من الكلام