المقام الثالث في الأمر الواقع عقيب الحظر اعلم: أن هذه المسألة في الحقيقة تذييل للمباحث السابقة، وذلك لأن البحث هنا حول أن الأمر إذا كان محفوفا بما يصلح للقرينية، هل يستفاد منه أيضا الوجوب والنفسية والعينية والتعيينية وغيرها، أم لا؟
وبعبارة أخرى: ليس الجهة المبحوث عنها هنا أمرا جزئيا، وبحثا خاصا بالأمر الواقع عقيب الحظر، بل الجهة المقصودة معنى أعم من ذلك، ومن الهيئة المقارنة لما يصلح للقرينية على خلاف ما يستفاد منها إطلاقا، ضرورة أنه مع وجود القرينة على الندب والغيرية وغيرها، يحمل عليها، ومع عدم القرينة يحمل على الوجوب والنفسية... إلى آخره.
وإذا كان في الكلام ما يصلح للقرينية على الندب والغيرية، كقوله: " اغتسل للجمعة والجنابة " فإن الجنابة قرينة على أن الهيئة في الجمعة غيرية، بناء على مفروغية استفادة الغيرية منه، وأن غسل الجنابة ليس مطلوبا نفسيا.
ومن هذا القبيل الأمر الواقع عقيب المنع التحريمي، أو التنزيهي، أو الواقع عقيب توهم المنع، كقوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * (1).
فبالجملة: المقصود بالبحث كلي لا يختص بالوجوب، بل يشمل النفسية وأخواتها، ولا يختص بكون الأمر عقيب الحظر، بل يشمل كل ما كان في كلام صالحا للقرينية على مقابلاتها.