ومما يشهد لذلك: أن الإرادة هي الأمر الاختياري، والشوق والعلم من الأمور الطبيعية، ولهذا اشتهر القول بعقاب المكلف بإرادة المعاصي، ولا يعاقب باشتهائها (1).
وربما إليه يرجع قوله تعالى: * (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) * (2) ومنه يعلم أيضا: أن الإرادة من الهمة، والهمة هي الحالة الحاصلة من فعالية النفس وخلاقيتها، وما كانت كذلك لا تكون داخلة في إحدى المقولات، لرجوعها إلى حقيقة الإضافة الإشراقية.
إفاضة فيها إضافة اعلم: أن نسبة المعلوم إلى العلم، كنسبة المقدور إلى القدرة، فكما أن اشتداد القدرة، لا يورث تحقق المقدور بدون العلم في الفواعل الاختيارية، كذلك اشتداد العلم، لا يقتضي تحقق المعلوم بالعلم بدون القدرة، فما اشتهر بين الفلاسفة حتى أرباب الحكمة المتعالية (3) - كما أشير إليه -: " من أن العلم إذا كمل واشتد، يصير سببا للتحقق " (4) غير صحيح، لأن ماهية العلم وحقيقته ليست لها هذه الوسعة والاقتضاء، وطبيعته وذاته لا تختلف باختلاف الأفق والموضوعات. لست أقول: إنه من المقولات، بل المقصود بيان ما هو لازم هويته، وثمرة وجوده، فلا تضطرب.
ومن هنا يعلم: أن هذه الشبهة - وهي أن الإرادة ليست إلا إدراك لزوم الوجود - غير قابلة للتصديق، وإن كانت قوية جدا، وقريبة من أفق التحقيق،