تأتي الإشكالات والمحاذير الآتية (1).
فبالجملة: لا غبار في تعريفهما، ولا خفاء في مفهومهما، حتى يحتاج إلى التحديد، بل الخفاء في أمر آخر يؤخذ في حده.
وعلى كل تقدير: إذا قلنا: بأنه هو الواجب الذي لا بد من قصد أمره في سقوطه وامتثاله، فهل قضية القواعد هي أصالة التعبدية، أم التوصلية عند الشك؟
ولعمري، إن المراجعة إلى كلمات القوم في المقام، تورث عدم وصولهم نوعا إلى مغزى المرام والمقصود في الكلام.
ومما يشهد على ذلك، ويعرب عنه، ويكون دليلا على ما ادعيناه: غورهم في تعريف الواجب التوصلي، وتحديده بما لا يكون التعبدي مقابله، حتى صار التقسيم المزبور متبدلا إلى تقسيمه إلى التوصلي وغير التوصلي، مع أن أساس البحث هنا حول الواجب التعبدي، وبيان حقيقته، وحقيقة ما به عبودية العبادة الواجبة أو المستحبة، من غير النظر إلى فهم مفهوم " التوصلي " وماهيته.
ولذلك ذكرنا في الدورة السابقة عند تحرير مباحث هذه المسألة: أن المقصود ليس إثبات أصالة التوصلية بعنوانها، بل المطلوب نفي أصالة التعبدية، سواء ثبت الواجب التوصلي بعنوانه، أم لم يثبت، ضرورة أن مع عدم جريان مقدمات الإطلاق، وجريان أصالة البراءة فرضا، لا يثبت التوصلية، لأن الأصل بالنسبة إليها يصير مثبتا.
وتوهم: أن التوصلية ليست إلا عدم التعبدية بالسلب المحصل، غير سديد، لأن تقسيم الشئ إلى قسمين، لا يمكن إلا بلحوق القيد على الطبيعة في الطرفين ولو كان القيد عدميا، فافهم واغتنم، وكن على بصيرة من أمرك.