على أن هذه الدولة الفتية كانت بحاجة إلى حضور فاعل لفقهاء الشيعة معها لتستطيع أن تؤدي رسالتها في تكريس مذهب أهل البيت عليهم السلام وفقهم وإدارة شؤون الدولة على منهاج أهل البيت الفقهي، وقد كان بعض ملوك الصفويين كالشاه إسماعيل وابنه طهماسب صادقين في محاولة تكريس المذهب الفقهي لأهل البيت في الدولة الصفوية وتمشية نظام الحكم الصفوي على منهاج فقه أهل البيت، وكانوا يحاولون الإفادة من فقهاء الشيعة في هذا المجال وتمكينهم من الدولة بالمقدار الذي لا يزاحمهم في حق اتخاذ القرار السياسي بشؤون الدولة.
وكان هذا هو أحد العاملين الرئيسيين لقدوم فقهاء الشيعة من جبل عامل من بلاد الشام إلى إيران، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، فقد كانت الدولة الشيعية الفتية بحاجة حقيقية وماسة إلى استقدام الفقهاء من جبل عامل لما تتمتع به هذه المنطقة الجبلية من الشام من مدارس علمية وتراث فقهي وثروة علمية كبيرة.
والعامل الثاني لهجرة فقهاء جبل عامل إلى إيران هو الاضطهاد الطائفي الذي كان يمارسه حكام آل عثمان ضد الشيعة عموما وضد فقهاء الشيعة على الخصوص. فقد سقطت الشام بيد آل عثمان عام 923 ه، وقضى العثمانيون على نفوذ المماليك قضاء تاما، واستمرت بلاد الشام تحت النفوذ العثماني حتى سقوط الدولة العثمانية.
ورغم الاضطهاد الطائفي الذي كان يمارسه المماليك ضد فقهاء الشيعة في الشام، فقد كان فقهاء الشيعة يتمتعون بحرية نسبية في منطقة جبل عامل في ممارسة نشاطهم الثقافي والديني عندما كان هذا النشاط لا يضر بمصالح الدولة.
فلما حل آل عثمان محل المماليك سلبوا من فقهاء الشيعة حتى هذه المساحة المحدودة من حق النشاط العلمي، وضيقوا عليهم سبل العمل والحركة من كل جانب.