لأن الجنة في السماء، والنار في أسفل سافلين، أو أن المؤمنين هم الغالبون في الدنيا كما وقع ذلك من ظهور الإسلام وسقوط الكفر وقتل أهله، وأسرهم وتشريدهم، وضرب الجزية عليهم، ولا مانع من حمل الآية على جميع ذلك لولا التقييد بكونه في يوم القيامة. قوله (والله يرزق من يشاء بغير حساب) يحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن الله سبحانه سيرزق المستضعفين من المؤمنين ويوسع عليهم، ويجعل ما يعطيهم من الرزق بغير حساب: أي بغير تقدير، ويحتمل أن المعنى: أن الله يوسع على بعض عباده في الرزق كما وسع على أولئك الرؤساء من الكفار استدراجا لهم، وليس في التوسعة دليل على أن من وسع عليه فقد رضي عنه، ويحتمل أن يراد بغير حساب من المرزوقين كما قال سبحانه - ويرزقه من حيث لا يحتسب -. قوله (كان الناس أمة واحدة) أي كانوا على دين واحد فاختلفوا (فبعث الله النبيين) ويدل على هذا المحذوف: أعني قوله فاختلفوا قراءة ابن مسعود فإنه قرأ _ كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين -. واختلف في الناس المذكورين في هذه الآية من هم؟ فقيل هم بنو آدم حين أخرجهم الله نسما من ظهر آدم، وقيل آدم وحده، وسمى ناسا لأنه أصل النسل، وقيل آدم وحواء، وقيل المراد القرون الأولى التي كانت بين آدم ونوح، وقيل المراد نوح ومن في سفينته، وقيل معنى الآية كان الناس أمة واحدة كلهم كفار فبعث الله النبيين، وقيل المراد الإخبار عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم كانوا أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع وجهلهم بالحقائق، لولا أن الله من عليهم بإرسال الرسل. والأمة مأخوذة من قولهم أممت الشئ: أي قصدته أي مقصدهم واحد غير مختلف. قوله (فبعث الله النبيين) قيل جملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر. وقوله (مبشرين ومنذرين) بالنصب على الحال. قوله (وأنزل معهم الكتاب) أي الجنس. وقال ابن جرير الطبري: إن الألف واللام للعهد والمراد التوراة. وقوله (ليحكم) مسند إلى الكتاب في قول الجمهور، وهو مجاز مثل قوله تعالى - هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق - وقيل إن المعنى ليحكم كل نبي بكتابه، وقيل ليحكم الله، والضمير في قوله (فيه) الأولى راجع إلى ما في قوله (فيما اختلفوا فيه) والضمير في قوله (وما اختلف فيه) يحتمل أن يعود إلى الكتاب، ويحتمل أن يعود إلى المنزل عليه وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قاله الزجاج، ويحتمل أن يعود إلى الحق. وقوله (إلا الذين أوتوه) أي أوتوا الكتاب، أو أوتوا الحق أو أوتوا النبي: أي أعطوا علمه. وقوله (بغيا بينهم) منتصب على أنه مفعول به:
أي لم يختلفوا إلا للبغي: أي الحسد والحرص على الدنيا، وفي هذا تنبيه على السفه في فعلهم، والقبيح الذي وقعوا فيه، لأنهم جعلوا نزول الكتاب سببا في شدة الخلاف. وقوله (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق) أي فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحق، وذلك بما بينه لهم في القرآن من اختلاف من كان قبلهم وقيل معناه فهدى الله أمة محمد للتصديق، بجميع الكتب بخلاف من قبلهم، فإن بعضهم كذب كتاب بعض، وقيل إن الله هداهم إلى الحق من القبلة، وقيل هداهم ليوم الجمعة، وقيل هداهم لاعتقاد الحق في عيسى بعد أن كذبته اليهود وجعلته النصارى ربا، وقيل المراد بالحق الإسلام. وقال الفراء: إن في الآية قلبا، وتقديره: فهدى الله الذين آمنوا بالحق لما اختلفوا فيه. واختاره ابن جرير وضعفه ابن عطية. وقوله (بإذنه). قال الزجاج:
معناه بعلمه. قال النحاس: وهذا غلط، والمعنى بأمره.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله (سل بني إسرائيل) قال: هم اليهود (كم آتيناهم من آية بينه) ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر (ومن يبدل نعمة الله) قال: يكفرها. وأخرج ابن أبي حاتم عن