الطائفة من أهل الكتاب هم يهود بني النضير وقريظة وبني قينقاع حين دعوا جماعة من المسلمين إلى دينهم وسيأتي وقيل هم جميع أهل الكتاب، فتكون من لبيان الجنس. وقوله (وما يضلون إلا أنفسهم) جملة حالية للدلالة على ثبوت قدم المؤمنين في الإيمان، فلا يعود وبال من أراد فتنتهم إلا عليه. والمراد بآيات الله ما في كتبهم من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم (وأنتم تشهدون) ما في كتبكم في ذلك، أو تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء الذين تقرون بنبوتهم، أو المراد كتم كل الآيات عنادا وأنتم تعلمون أنها حق. ولبس الحق بالباطل خلطه بما يتعمدونه من التحريف (وأنتم تعلمون) جملة حالية. قوله (وقالت طائفة من أهل الكتاب) هم رؤساؤهم وأشرافهم، قالوا للسفلة من قومهم هذه المقالة. ووجه النهار: أوله، وسمي وجها لأنه أحسنه قال:
وتضئ في وجه النهار منيرة * كجمانة البحري سل نظامها وهو منصوب على الظرف، أمروهم بذلك لإدخال الشك على المؤمنين، لكونهم يعتقدون أن أهل الكتاب لديهم علم، فإذا كفروا بعد الإيمان وقع الريب لغيرهم واعتراه الشك وهم لا يعلمون أن الله قد ثبت قلوب المؤمنين ومكن أقدامهم، فلا تزلزلهم أراجيف أعداء الله، ولا تحركهم ريح المعاندين. قوله (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) هذا من كلام اليهود بعضهم لبعض: أي قال ذلك الرؤساء للسفلة لا تصدقوا تصديقا صحيحا إلا لمن تبع دينكم من أهل الملة التي أنتم عليها، وأما غيرهم ممن قد أسلم فأظهروا لهم ذلك خداعا (وجه النهار واكفروا آخره) ليفتتنوا، ويكون قوله (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) على هذا متعلقا بمحذوف: أي فعلتم ذلك لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم:
يعني أن ما بكم من الحسد والبغي أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم.
وقوله (أو يحاجوكم) معطوف على أن يؤتى: أي لا تؤمنوا إيمانا صحيحا وتقروا بما في صدوركم إقرارا صادقا لغير من تبع دينكم، فعلتم ذلك ودبرتموه أن المسلمين يحاجوكم يوم القيامة عند الله بالحق. وقوله (إن الهدى هدى الله) جملة اعتراضية. وقال الأخفش: المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ولا تصدقوا أن يحاجوكم، فذهب إلى أنه معطوف، وقيل المراد لا تؤمنوا وجه النهار وتكفروا آخره إلا لمن تبع دينكم: أي لمن دخل في الإسلام وكان من أهل دينكم قبل إسلامه، لأن إسلام من كان منهم هو الذي قتلهم غيظا وأماتهم حسرة وأسفا، ويكون قوله (أن يؤتى) على هذا متعلقا محذوف كالأول، وقيل إن قوله (أن يؤتى) متعلق بقوله (لا تؤمنوا) أي لا تظهروا إيمانكم ب (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) أي أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم، ولا تفشوه إلا لأتباع دينكم، وقيل المعنى: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، بالمد على الاستفهام تأكيدا للإنكار الذي قالوه أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتوه، فتكون على هذا أن وما بعدها في محل رفع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره تصدقون بذلك، ويجوز أن تكون في محل نصب على إضمار فعل تقديره تقرون أن يؤتى. وقد قرأ " آن يؤتى " بالمد ابن كثير وابن محيصن وحميد. وقال الخليل: أن في موضع خفض والخافض محذوف. وقال ابن جريج: المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى، وقيل المعنى: لا تخبروا بما في كتابكم من صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا من تبع دينكم، لئلا يكون ذلك سببا لإيمان غيرهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقال الفراء: يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله (إلا لمن تبع دينكم) ثم قال الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم (قل إن الهدى هدى الله) أي إن البيان الحق بيان الله أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم على تقدير لا كقوله تعالى - يبين الله لكم أن تضلوا - أي لئلا تضلوا، و " أو " في قوله (أو يحاجوكم) بمعنى حتى، وكذلك قال الكسائي، وهي عند الأخفش عاطفة كما