فسكت فسكنت فانصرف إلى ابنه يحيى وكان قريبا منها فأشفق أن تصيبه، فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتدري ما ذاك؟ قال لا يا رسول الله، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت تنظر إليها الناس لا تتوارى منهم " ولهذا الحديث ألفاظ. وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثا فاستقرأ كل رجل منهم " يعني ما معه من القرآن " فأتى على رجل من أحدثهم سنا فقال: ما معك يا فلان؟
قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة، قال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال اذهب فأنت أميرهم ". وأخرج البيهقي في الدلائل عن عثمان بن أبي العاص قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أصغر القوم الذين وفدوا عليه من ثقيف، وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة. وأخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن الصلصال بن الديهمس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " اقرأوا سورة البقرة في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا " قال " ومن قرأ سورة البقرة في ليلة توج بتاج في الجنة ". وأخرج أبو عبيد عن عباد بن عباد عن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد أن أشياخ أهل المدينة حدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: ألم تر إلى ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح، قال: فلعله قرأ سورة البقرة، قال: فسئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة. قال ابن كثير: وهذا إسناد جيد، إلا أن فيه إبهاما ثم هو مرسل.
وقد روى أئمة الحديث في فضائلها أحاديث كثيرة وآثارا عن الصحابة واسعة، ومن فضائلها ما هو خاص بآية الكرسي، وما هو خاص بخواتم هذه السورة، وقد سبق بعض ذلك، وما هو في فضلها وفضل آل عمران، وقد سبق أيضا بعض من ذلك وما هو في فضل السبع الطوال، كما أخرج أبو عبيد عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أعطيت السبع مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصل " وفي إسناده سعيد بن بشير وفيه لين، وقد رواه بسند آخر عن سعيد بن أبي هلال.
وأخرج أيضا عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أخذ السبع فهو خير ". وقد رواه عنها أحمد في المسند باللفظ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أخذ السبع الأول من القرآن فهو خير ". وأخرج أبو عبيد عن سعيد بن جبير في قوله تعالى - ولقد آتيناك سبعا من المثاني - قال: هي السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس، وبذلك قال مجاهد ومكحول وعطية بن قيس وأبو محمد القاري شداد بن عبد الله ويحيى بن الحارث الذماري.
وقد ورد ما يدل على كراهة أن يقول القائل سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله. فأخرج ابن الضريس والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في الشعب بسند ضعيف عن أنس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله، ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، وكذا القرآن كله " قال ابن كثير: هذا حديث غريب لا يصح رفعه، وفي إسناده يحيى بن ميمون الخواص وهو ضعيف الرواية لا يحتج به.
وأخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن ابن عمر قال " لا تقولوا سورة البقرة، ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة ". وقد روى عن جماعة من الصحابة خلاف هذا. فثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي، فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. وأخرج