عليكم الغمام وأنجاكم من آل فرعون وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل ما تجدون في التوراة في شأن الرجم " فقال أحدهما للآخر ما نشدت بمثله قط ثم قالا نجد ترداد النظر زنية والاعتناق زنية والتقبيل زنية فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئ ويعيد كما يدخل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هو ذاك " فأمر به فرجم فنزلت " فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ". ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث مجالد به نحوه ولفظ أبي داود عن جابر قال جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال ائتوني بأعلم رجلين منكم " فأتوا بابني صوريا فنشدهما " كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ قالا نجد إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما قال فما يمنعكم أن ترجموهما قالا ذهب سلطاننا فكرهنا القتل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاء أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره مثل الميل في المكحلة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما. ثم رواه أبو داود عن الشعبي وإبراهيم النخعي مرسلا ولم يذكر فيه فدعا بالشهود فشهدوا فهذه الأحاديث دالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بموافقة حكم التوراة وليس هذا من باب الاكرام لهم بما يعتقدون صحته لانهم مأمورون باتباع الشرع المحمدي لا محالة ولكن هذا بوحي خاص من الله عز وجل إليه بذلك وسؤاله إياهم عن ذلك ليقررهم على ما بأيديهم مما تواطؤا على كتمانه وجحده وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة فلما اعترفوا به مع علمهم على خلافه بأن زيغهم وعنادهم وتكذيبهم لما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم وعدو لهم إلى تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان عن هوى منهم وشهوة لموافقة آرائهم لا لاعتقادهم صحة ما يحكم به ولهذا قالوا " إن أوتيتم هذا " أي الجلد والتحميم فخذوه أي اقبلوه " وإن لم تؤتوه فاحذروا " أي من قبوله واتباعه. قال الله تعالى " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب " أي الباطل " أكالون للسحت " أي الحرام وهو الرشوة كما قاله ابن مسعود وغير واحد أي ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه وأنى يستجيب له ثم قال لنبيه " فإن جاؤوك " أي يتحاكمون إليك " فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا " أي فلا عليك أن لا تحكم بينهم لانهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الحق بل ما يوافق أهواءهم قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني والحسن وغير واحد هي منسوخة بقوله " وأن احكم بينهم بما أنزل الله "، " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " أي بالحق والعدل وإن كانوا ظلمة خارجين عن طريق العدل " إن الله يحب المقسطين " ثم قال تعالى منكرا عليهم في آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الزائغة في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدا ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره مما يعتقدون في نفس الامر بطلانه وعدم لزومه لهم فقال " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين " ثم مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران فقال " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا " أي لا يخرجون عن حكمها ولا يبدلونها ولا يحرفونها " والربانيون والاحبار " أي وكذلك الربانيون وهم العلماء العباد والاحبار وهم العلماء " بما استحفظوا من كتاب الله " أي بما استودعوا من كتاب الله الذي أمروا أن يظهروه ويعملوا به " وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشوني " أي لا تخافوا منهم وخافوا مني " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " فيه قولان سيأتي بيانهما.
سبب آخر في نزول الآيات الكريمات وقال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن العباس حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال إن الله أنزل " من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وأولئك هم الظالمون وأولئك هم