تكلم به الموتى في قبورهم لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره أو بطريق الأولى أن يكون كذلك لما فيه من الاعجاز الذي لا يستطيع الانسان والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله ولا بسورة من مثله ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون به جاحدون له " بل لله الامر جميعا " أي مرجع الأمور كلها إلى الله عز وجل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ومن يضلل الله فلا هادي له ومن يهد الله فما له من مضل وقد يطلق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدمة لأنه مشتق من الجمع قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خفف على داود القرآن فكان يأمر بدابته أن تسرج فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته وكان لا يأكل إلا من عمل يديه " انفرد بإخراجه البخاري والمراد بالقرآن هو الزبور وقوله " أفلم ييأس الذين آمنوا " أي من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو يتبينوا " أن لو يشاء لهدى الناس جميعا " فإنه ليس ثم حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في العقول والنفوس من هذا القرآن الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من نبي إلا وقد أوتي ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " معناه أن معجزة كل نبي انقرضت بموته وهذا القرآن حجة باقية على الآباد لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد ولا يشبع منه العلماء هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب بن الحارث أنبأنا بشر بن عمارة حدثنا عمر بن حسان عن عطية العوفي قال: قلت له " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " الآية قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها أو قطعت بنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيى الموتى لقومه فأنزل الله هذه الآية قال: قلت هل تروون هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا روي عن ابن عباس والشعبي وقتادة والثوري وغير واحد في سبب نزول هذه الآية والله أعلم وقال قتادة: لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم لفعل بقرآنكم وقوله " بل لله الامر جميعا " قال ابن عباس: أي لا يصنع من ذلك إلا ما شاء ولم يكن ليفعل رواه ابن إسحاق بسنده عنه وقاله ابن جرير أيضا وقال غير واحد من السلف في قوله " أفلم ييأس الذين آمنوا " أفلم يعلم الذين آمنوا وقرأ آخرون أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا وقال أبو العالية: قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا ولو يشاء الله لهدى الناس جميعا وقوله " ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم " أي بسبب تكذيبهم لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا كما قال تعالى " ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون " وقال " أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون " قال قتادة عن الحسن " أو تحل قريبا من دارهم " أي القارعة وهذا هو الظاهر من السياق وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا المسعودي عن قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله " ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة " قال سرية " أو تحل قريبا من دارهم " قال محمد صلى الله عليه وسلم " حتى يأتي وعد الله " قال " فتح مكة " وهكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد في رواية وقال العوفي عن ابن عباس " تصيبهم بما صنعوا قارعة " قال عذاب من السماء منزل عليهم " أو تحل قريبا من دارهم " يعني نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتاله إياهم وكذا قال مجاهد وقتادة وقال عكرمة في رواية عن ابن عباس " قارعة " أي نكبة وكلهم قال " حتى يأتي وعد الله " يعني فتح مكة وقال الحسن البصري يوم القيامة وقوله " إن الله لا يخلف الميعاد " أي لا ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولاتباعهم في الدنيا والآخرة " فلا تحبسن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ".
ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب (32)