باب كل قصر من تلك القصور أربعة جنان: جنتان ذواتا أفنان وجنتان مدهامتان وفيهما عينان نضاختان وفيهما من كل فاكهة زوجان وحور مقصورات في الخيام فلما تبوءوا منازلهم واستقروا قرارهم قال لهم ربهم هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم وربنا قال هل رضيتم ثواب ربكم؟ قالوا ربنا رضينا فارض عنا قال برضاي عنكم حللتم داري ونظرتم إلى وجهي وصافحتكم ملائكتي فهنيئا هنيئا لكم " عطاء غير مجذوذ " ليس فيه تنغيص ولا قصر يد فعند ذلك قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأدخلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب. إن ربنا لغفور شكور. وهذا سياق غريب وأثر عجيب ولبعضه شواهد ففي الصحيحين أن الله تعالى يقول لذلك الرجل الذي يكون آخر أهل الجنة دخولا الجنة: تمن فيتمنى حتى إذا انتهت به الأماني يقول الله تعالى: تمن من كذا وتمن من كذا يذكره ثم يقول ذلك لك وعشرة أمثاله.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر " الحديث بطوله وقال خالد بن معدان إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى لها ضروع كلها ترضع صبيان أهل الجنة وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى تقوم القيامة فيبعث ابن أربعين سنة رواه ابن أبي حاتم.
كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب (30) يقول تعالى وكما أرسلناك يا محمد في هذه الأمة " لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك " أي تبلغهم رسالة الله إليهم كذلك أرسلنا في الأمم الماضية الكافرة بالله وقد كذب الرسل من قبلك فلك بهو أسوة وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا بأولئك فليحذر هؤلاء من حلول النقم بهم فإن تكذيبهم لك أشد من تكذيب غيرك من المرسلين قال الله تعالى " تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك " الآية وقال تعالى " ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرك ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين " أي كيف نصرناهم وجعلنا العاقبة لهم ولاتباعهم في الدنيا والآخرة وقوله " وهم يكفرون بالرحمن " أي هذه الأمة التي بعثناك فيهم يكفرون بالرحمن لا يقرون به لانهم كانوا يأنفون من وصف الله بالرحمن الرحيم ولهذا أنفوا يوم الحديبية أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم وقالوا ما ندري ما الرحمن الرحيم قاله قتادة والحديث في صحيح البخاري وقد قال الله تعالى " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن " " قل هو ربي لا إله إلا هو " أي هذا الذي تكفرون به أنا مؤمن به معترف مقر له بالربوبية والإلاهية هو ربي لا إله إلا هو " عليه توكلت " أي في جميع أموري " وإليه متاب " أي إليه أرجع وأنيب فإنه لا يستحق ذلك أحد سواه.
ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد (31) يقول تعالى مادحا للقرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ومفضلا له على سائر الكتب المنزلة قبله " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " أي لو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها أو تقطع به الأرض وتنشق أو