وكرها على الكافرين " وظلالهم بالغدو " أي البكر " والآصال " وهو جمع أصيل وهو آخر النهار كقوله تعالى " أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله " الآية.
* قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار (16) يقرر تعالى أنه لا إله إلا هو لانهم معترفون بأنه هو الذي خلق السماوات والأرض وهو ربها ومدبرها وهم مع هذا قد اتخذوا من دونه أولياء يعبدونهم وأولئك الآلهة لا تملك لا نفسها ولا لعابديها بطريق الأولى نفعا ولا ضرا أي لا تحصل لهم منفعة ولا تدفع عنهم مضرة فهل يستوي من عبد هذه الآلهة مع الله ومن عبد الله وحده لا شريك له فهو على نور من ربه؟ ولهذا قال " قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم " أي أجعل هؤلاء المشركون مع الله آلهة تناظر الرب وتماثله في الخلق فخلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم فلا يدرون أنها مخلوقة من مخلوق غيره أي ليس الامر كذلك فإنه لا يشابهه شئ ولا يماثله ولا ند له ولا عدل له ولا وزير له ولا ولد ولا صاحبة " تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا " وإنما عبد هؤلاء المشركون معه آلهة هم معترفون أنها مخلوقة له عبيد له كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. وكما أخبر تعالى عنهم في قوله " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " فأنكر تعالى عليهم ذلك حيث اعتقدوا ذلك وهو تعالى لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه " ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له " " وكم من ملك في السماوات " الآية وقال " إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا " فإذا كان الجميع عبيدا فلم يعبد بعضهم بعضا بلا دليل ولا برهان بل مجرد الرأي والاختراع والابتداع ثم قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك وتنهاهم عن عبادة من سوى الله فكذبوهم وخالفوهم فحقت عليهم كلمة العذاب لا محالة " ولا يظلم ربك أحدا ".
أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال (17) اشتملت هذه الآية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه والباطل في اضمحلاله وفنائه فقال تعالى " أنزل من السماء ماء " أي مطرا " فسالت أودية بقدرها " أي أخذ كل واحد بحسبه فهذا كبير وسع كثيرا من الماء وهذا صغير فوسع بقدره وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها فمنها ما يسع علما كثيرا ومنها ما لا يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها " فاحتمل السيل زبدا رابيا " أي فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه الأودية زبد عال عليه هذا مثل وقوله " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع " الآية هذا هو المثل الثاني هو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة ابتغاء حلية أي ليجعل حلية أو نحاسا أو حديدا فيجعل متاعا فإنه يعلوه زبد منه كما يعلو ذلك زبد منه " كذلك يضرب الله الحق والباطل " أي إذا اجتمعا لا ثبات للباطل ولا دوام له كما أن الزبد لا يثبت مع الماء ولا مع الذهب والفضة ونحوهما مما يسبك في النار بل يذهب ويضمحل ولهذا قال " فأما الزبد