هذا الاختلاف الكثير الذي لا ينحصر ولا ينضبط ففي ذلك آيات لمن كان واعيا وهذا من أعظم الدلالات على الفاعل المختار الذي بقدرته فاوت بين الأشياء وخلقها على ما يريد ولهذا قال تعالى " إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ".
* وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (5) يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم " وإن تعجب " من تكذيب هؤلاء المشركين بالمعاد مع ما يشاهدونه من آيات الله سبحانه ودلائله في خلقه على أنه القادر على ما يشاء ومع ما يعترفون به من أنه ابتدأ خلق الأشياء فكونها بعد أن لم تكن شيئا مذكورا ثم هم بعد هذا يكذبون خبره في أنه سيعيد العالم خلقا جديدا وقد اعترفوا وشاهدوا ما هو أعجب مما كذبوا به فالعجب من قولهم " أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد " وقد علم كل عالم وعاقل أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس وأن من بدأ الخلق فالإعادة عليه أسهل كما قال تعالى " أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شئ قدير " ثم نعت المكذبين بهذا فقال " أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم " أي يسحبون بها في النار " وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " أي ماكثون فيها أبدا لا يحولون عنها ولا يزولون.
ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب (6) يقول تعالى " ويستعجلونك " أي هؤلاء المكذبون " بالسيئة قبل الحسنة " أي بالعقوبة كما أخبر عنهم في قوله " وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون * لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين * ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين " وقال تعالي " ويستعجلونك بالعذاب " الآيتين. وقال تعالى " سأل سائل بعذاب واقع " وقال " يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق " " وقالوا ربنا عجل لنا قطنا " الآية أي عقابنا وحسابنا كما قال مخبرا عنهم " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " الآية فكانوا من شدة تكذيبهم وعنادهم وكفرهم يطلبون أن يأتيهم بعذاب الله قال الله تعالى " وقد خلت من قبلهم المثلات " أي قد أوقعنا نقمنا بالأمم الخالية وجعلناهم عبرة وعظة لمن اتعظ بهم ثم أخبر تعالى أنه لولا حلمه وعفوه لعالجهم بالعقوبة كما قال " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " وقال تعالى في هذه الآية الكريمة " وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " أي أنه تعالى ذو عفو وصفح وستر للناس مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب ليعتدل الرجاء والخوف كما قال تعالى " فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين " وقال " إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم " وقال " نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم " إلى أمثال ذلك من الآيات التي تجمع الرجاء والخوف وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: لما نزلت هذه الآية " وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم " لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل واحد ". وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن عثمان أبي حسان الرمادي أنه رأى رب العزة في النوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بين يديه يشفع في رجل من أمته فقال له ألم يكفك أني أنزلت عليك في سورة الرعد " وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " قال ثم انتبهت.