الذي يمحو والذي يثبت الرجل يعمل بمعصية الله وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله وهو الذي يثبت وروي عن سعيد بن جبير أنها بمعنى " يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير " وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " يمحو الله ما يشاء ويثبت " يقول يبدل ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله " وعنده أم الكتاب " وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ وما يبدل وما يثبت كل ذلك في كتاب وقال قتادة في قوله " يمحو الله ما يشاء ويثبت " كقوله " ما ننسخ من آية أو ننسها " الآية وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " يمحو الله ما يشاء ويثبت " قال: قالت كفار قريش لما نزلت " وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله " ما نرى محمدا يملك شيئا وقد فرغ من الامر فأنزلت هذه الآية تخويفا ووعيدا لهم إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ونحدث في كل رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم وقال الحسن البصري " يمحو الله ما يشاء ويثبت " قال من جاء أجله يذهب ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجله وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير رحمه الله وقوله " وعنده أم الكتاب " قال الحلال والحرام وقال قتادة أي جملة الكتاب وأصله وقال الضحاك " وعنده أم الكتاب " قال كتاب عند رب العالمين وقال سنيد بن داود حدثني معتمر عن أبيه عن يسار عن ابن عباس أنه سأل كعبا عن أم الكتاب فقال:
علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون ثم قال لعلمه: كن كتابا فكان كتابا وقال ابن جريج عن ابن عباس " وعنده أم الكتاب " قال الذكر.
وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب (40) أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب (41) يقول تعالى لرسوله " وإما نرينك " يا محمد بعض الذي نعد أعداءك من الخزي والنكال في الدنيا " أو نتوفينك " أي قبل ذلك " فإنما عليك البلاغ " أي إنما أرسلناك لتبلغهم رسالة الله وقد فعلت ما أمرت به " وعلينا الحساب " أي حسابهم وجزاؤهم كقوله تعالى " فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر * إلا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر * إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم " وقوله " أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها " قال ابن عباس: أو لم يروا أنا نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم الأرض بعد الأرض وقال في رواية: أو لم يروا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران في ناحية وقال مجاهد وعكرمة ننقصها من أطرافها قال خرابها وقال الحسن والضحاك: هو ظهور المسلمين على المشركين وقال العوفي عن ابن عباس نقصان أهلها وبركتها وقال مجاهد: نقصان الأنفس والثمرات وخراب الأرض وقال الشعبي: لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك ولكن تنقص الأنفس والثمرات وكذا قال عكرمة: لو كانت الأرض تنقص لم تجد مكانا تقعد فيه ولكن هو الموت وقال ابن عباس في رواية خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها وكذا قال مجاهد أيضا هو موت العلماء، وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز أبي القاسم المصري الواعظ سكن أصبهان حدثنا أبو محمد طلحة بن أسد المري بدمشق أنشدنا أبو بكر الآجري بمكة قال أنشدنا أحمد بن نمزال لنفسه:
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها * متى يمت عالم منها يمت طرف كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها * وإن أبى عاد في أكنافها التلف والقول الأول أولى وهو ظهور الاسلام على الشرك قرية بعد قرية كقوله " ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى " الآية وهذا اختيار ابن جرير.