توكلت " أي فإني لا أبالي ولا أكف عنكم سواء عظم عليكم أولا " فأجمعوا أمركم وشركاءكم " أي فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم الذين تدعون من دون الله من صنم ووثن " ثم لا يكن أمركم عليكم غمة " أي ولا تجعلوا أمركم عليكم ملتبسا بل افصلوا حالكم معي فإن كنتم تزعمون أنكم محقون فاقضوا إلي " ولا تنظرون " أي ولا تؤخروني ساعة واحدة أي مهما قدرتم فافعلوا فإني لا أباليكم ولا أخاف منكم لأنكم لستم على شئ كما قال هود لقومه " إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم " الآية. وقوله " فإن توليتم " أي كذبتم وأدبرتم عن الطاعة " فما سألتكم من أجر " أي لم أطلب منكم على نصحي إياكم شيئا " إن أجرى إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين " أي وأنا ممتثل ما أمرت به من الاسلام لله عز وجل والاسلام هو دين الأنبياء جميعا من أولهم إلى آخرهم وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم كما قال تعالى " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " قال ابن عباس سبيلا وسنة فهذا نوح يقول " وأمرت أن أكون من المسلمين " وقال تعالى عن إبراهيم الخليل " إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصي بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وقال يوسف " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين " وقال موسى " يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين " وقال السحرة " ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين " وقالت بلقيس " رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ". وقال تعالى " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا " وقال تعالى " وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون " وقال خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلم " إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " أي من هذه الأمة ولهذا قال في الحديث الثابت عنه " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات وديننا واحد ". أي وهو عبادة الله وحده لا شريك له وإن تنوعت شرائعنا وذلك معنى قوله أولاد علات وهم الاخوة من أمهات شتى والأب واحد وقوله تعالى " فكذبوه فنجيناه ومن معه " أي على دينه " في الفلك " وهي السفينة " وجعلناهم خلائف " أي في الأرض " وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين " أي يا محمد كيف أنجينا المؤمنين وأهلكنا المكذبين.
ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين (74) يقول تعالى ثم بعثنا من بعد نوح رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات أي بالحجج والأدلة والبراهين على صدق ما جاءوهم به " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " أي فما كانت الأمم لتؤمن بما جاءتهم به رسلهم بسبب تكذيبهم إياهم أو ما أرسلوا إليهم كقوله تعالى " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم " الآية. وقوله " كذلك نطبع على قلوب المعتدين " أي كما طبع الله على قلوب هؤلاء فما آمنوا بسبب تكذيبهم المتقدم هكذا يطبع الله على قلوب من أشبههم ممن بعدهم ويختم على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم والمراد أن الله تعالى أهلك الأمم المكذبة للرسل وأنجى من آمن بهم وذلك من بعد نوح عليه السلام فإن الناس كانوا من قبله من زمان آدم عليه السلام على الاسلام إلى أن أحدث الناس عبادة الأصنام فبعث الله إليهم نوحا عليه السلام ولهذا يقول له المؤمنون يوم القيامة أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام وقال تعالى " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح " الآية وفي هذا إنذار عظيم لمشركي العرب الذين كذبوا سيد الرسل وخاتم الأنبياء والمرسلين فإنه إذا كان قد أصاب من كذب بتلك الرسل ما ذكره الله تعالى من العذاب والنكال فماذا ظن هؤلاء وقد ارتكبوا أكبر من أولئك؟.