يقول تعالى مخبرا عن موسى أنه قال لبني إسرائيل " يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين " أي فإن الله كاف من توكل عليه " أليس الله بكاف عبده " " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين العبادة والتوكل كقوله تعالى " فاعبده وتوكل عليه " " قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا " " رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا " وأمر الله تعالى المؤمنين أن يقولوا في كل صلواتهم مرات متعددة " إياك نعبد وإياك نستعين " وقد امتثل بنو إسرائيل ذلك فقالوا (على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) أي لا تظفرهم بنا وتسلطهم علينا فيظنوا إنهم إنما سلطوا لانهم على الحق ونحن على الباطل فيفتنوا بذلك هكذا روى عن أبي مجلز وأبي الضحى وقال ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد لا تعذبنا بأيدي آل فرعون ولا بعذاب من عندك فيقول قوم فرعون لو كانوا على حق ما عذبوا ولا سلطنا عليهم فيفتنوا بنا وقال عبد الرزاق أنبأنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين " لا تسلطهم علينا فيفتنونا وقوله " ونجنا برحمتك " أي خلصنا برحمة منك وإحسان " من القوم الكافرين " أي الذين كفروا الحق وستروه ونحن قد آمنا بك وتوكلنا عليك.
وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين (87) يذكر تعالى سبب إنجائه بني إسرائيل من فرعون وقومه وكيفية خلاصهم منهم وذلك أن الله تعالى أمر موسى وأخاه هارون عليهما السلام أن يتبوءا أي يتخذا لقومها بمصر بيوتا واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى " واجعلوا بيوتكم قبلة " فقال الثوري وغيره عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس " واجعلوا بيوتكم قبلة " قال أمروا أن يتخذوها مساجد وقال الثوري أيضا عن ابن منصور عن إبراهيم " واجعلوا بيوتكم قبلة " قال كانوا خائفين فأمروا أن يصلوا في بيوتهم وكذا قال مجاهد وأبو مالك والربيع بن أنس والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وأبوه زيد بن أسلم وكأن هذا والله أعلم لما اشتد بهم البلاء من قبل فرعون وقومه وضيقوا عليهم أمروا بكثرة الصلاة كقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة " وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى أخرجه أبو داود، ولهذا قال تعالى في هذه الآية " واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين " أي بالثواب والنصر القريب وقال العوفي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال: قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام لا نستطيع أن نظهر صلاتنا مع الفراعنة فأذن الله تعالى لهم أن يصلوا في بيوتهم وأمروا أن يجعلوا بيوتهم قبل القبلة وقال مجاهد " واجعلوا بيوتكم قبلة " لما خاف بنو إسرائيل من فرعون أن يقتلوا في الكنائس الجامعة أمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة يصلون فيها سرا وكذا قال قتادة والضحاك وقال سعيد بن جبير " واجعلوا بيوتكم قبلة " أي يقابل بعضها بعضا.
وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملاه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم (88) قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون (89) هذا إخبار من الله تعالى عما دعا به موسى عليه السلام على فرعون وملئه لما أبوا قبول الحق واستمروا على ضلالهم وكفرهم معاندين جاحدين ظلما وعلوا وتكبرا وعتوا قال " ربنا إنك آتيت فرعون وملاه زينة " أي من أثاث الدنيا ومتاعها " وأموالا " أي جزيلة كثيرة " في " هذه " الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك " بفتح الياء أي أعطيتهم ذلك وأنت تعلم أنهم لا يؤمنون بما أرسلتني به إليهم استدراجا منك لهم كقوله تعالى " لنفتنهم فيه " وقرأ