ولم يستوف حقه أخذ من سيئات المقتول فطرحت على القاتل فربما لا يبقى على المقتول خطيئة إلا وضعت على القاتل وقد صح الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم كلها والقتل من أعظمها وأشدها والله أعلم وأما ابن جرير فقال والصواب من القول في ذلك أن يقال إن تأويله إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي وذلك هو معنى قوله " إني أريد أن تبوء بإثمي " وأما معنى وإثمك فهو إثمه يعني قتله وذلك معصية الله عز وجل في إعمال سواه وإنما قلنا ذلك هو الصواب لاجماع أهل التأويل عليه وأن الله عز وجل أخبرنا أن كل عامل فجزاء عمله له أو عليه وإذا كان هذا حكمه في خلقه فغير جائز أن تكون آثام المقتول مأخوذا بها القاتل وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم وسائر آثام معاصيه التي ارتكبها بنفسه دون ما ركبه قتيله هذا لفظه ثم أورد على هذا سؤالا حاصله كيف أراد هابيل أن يكون على أخيه قابيل إثم قتله وإثم نفسه مع أن قتله له محرم؟ وأجاب بما حاصله أن هابيل أخبر عن نفسه بأنه لا يقاتل أخاه إن قاتله بل يكف عنه يده طالبا إن وقع قتل أن يكون من أخيه لا منه قلت وهذا الكلام متضمن موعظة له لو اتعظ وزجر له لو انزجر ولهذا قال " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " أي تتحمل إثمي وإثمك " فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين " وقال ابن عباس: خوفه بالنار فلم ينته ولم ينزجر. وقوله تعالى " فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين " أي فحسنت وسولت له نفسه وشجعته على قتل أخيه فقتله أي بعد هذه الموعظة وهذا الزجر وقد تقدم في الرواية عن أبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين أنه قتله بحديدة في يده وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة بن عبد الله وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فطوعت له نفسه قتل أخيه فطلبه لقتله فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال فأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات فتركه بالعراء رواه ابن جرير وعن بعض أهل الكتاب أنه قتله خنقا وعضا كما تقتل السباع. وقال ابن جرير: لما أراد أن يقتله جعل يلوي عنقه فأخذ إبليس دابة ووضع رأسها على حجر ثم أخذ حجرا آخر فضرب به رأسها حتى قتلها وابن آدم ينظر ففعل بأخيه مثل ذلك. رواه ابن أبي حاتم وقال عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: أخذ برأسه ليقتله فاضطجع له وجعل يغمز رأسه وعظامه ولا يدري كيف يقتله فجاءه إبليس فقال أتريد أن تقتله؟ قال نعم قال: فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه قال فأخذها فألقاها عليه فشدخ رأسه ثم جاء إبليس إلى حواء مسرعا فقال: يا حواء إن قابيل قتل هابيل فقالت له: ويحك وأي شئ يكون القتل قال لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك قالت ذلك الموت قال فهو الموت فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم وهى تصيح فقال: مالك فلم تكلمه فرجع إليها مرتين فلم تكلمه فقال: عليك الصيحة وعلى بناتك وأنا وبني منها برآء رواه ابن أبي حاتم وقوله " فأصبح من الخاسرين " أي في الدنيا والآخرة وأي خسارة أعظم من هذه وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا: حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل " وقد أخرجه الجماعة سوى أبي داود من طرق عن الأعمشي به وقال ابن جرير: حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني حجاج قال: قال ابن جريج قال مجاهد: علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ ووجهه في الشمس حيثما دارت دار عليه في الصيف حظيرة من نار وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج قال: وقال عبد الله بن عمر وإنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم. وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن حكيم بن حكيم أنه حدث عن عبد الله بن عمرو أنه كان يقول إن أشقى الناس رجلا لابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك دم في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة إلا لحق به منه شر وذلك أنه أول من سن القتل. وقال إبراهيم النخعي: ما من مقتول يقتل ظلما إلا وكان على ابن آدم الأول والشيطان كفل منه. ورواه ابن جرير أيضا وقوله تعالى " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين " قال السدي بإسناده المتقدم إلى الصحابة رضي الله عنهم: لما مات