وقوله تعالى " ذلك لهم خزى في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم " أي هذا الذي ذكرته من قتلهم ومن صلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم خزى لهم بين الناس في هذه الحياة الدنيا مع ما ادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة وهذا يؤيد قول من قال إنها نزلت في المشركين فأما أهل الاسلام ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخذ على النساء ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له ومن ستره الله فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. وعن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أذنب ذنبا في الدنيا فعوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود عليه في شئ قد عفا عنه ". رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة وقال الترمذي حسن غريب وقد سئل الحافظ الدارقطني عن هذا الحديث فقال: روى مرفوعا وموقوفا قال ورفعه صحيح، وقال ابن جرير في قوله " ذلك لهم خزي في الدنيا " يعني شر وعار ونكار وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة " ولهم في الآخرة عذاب عظيم " أي إذا لم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا في الآخرة مع الجزاء الذي جازيتهم به في الدنيا والعقوبة التي عاقبتهم بها في الدنيا عذاب عظيم يعني عذاب جهنم وقوله تعالى " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " أما على قول من قال إنها في أهل الشرك فظاهر وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل وهل يسقط قطع اليد أم لا فيه قولان للعلماء وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة كما قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا بو أسامة عن مجالد عن الشعبي قال كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة وكان قد أفسد في الأرض وحارب فكلم رجالا من قريش منهم الحسن بن علي وابن عباس وعبد الله بن جعفر فكلموا عليا فيه فلم يؤمنه فأتى سعيد بن قيس الهمداني فخلفه في داره ثم أتى عليا فقال يا أمير المؤمنين أرأيت من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا فقرأ حتى بلغ " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " قال: فكتب له أمانا قال سعيد بن قيس فإنه جارية بن بدر وكذا رواه ابن جرير من غير وجه عن مجالد عن الشعبي به وزاد فقال جارية بن بدر.
ألا بلغن همدان أما لقيتها * على النأي لا يسلم عدو يعيبها لعمر أبيها إن همذان تتقي الا * له ويقضي بالكتاب خطيبها وروى ابن جرير من طريق سفيان الثوري عن السدي ومن طريق أشعث كلاهما عن عامر الشعبي قال جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة إمارة عثمان رضي الله عنه بعدما صلى المكتوبة فقال: يا أبا موسى هذا مقام العائذ بك أنا فلان بن فلان المرادي وإني كنت حاربت الله ورسوله وسعيت في الأرض فسادا وإني تبت من قبل أن تقدروا علي فقال: أبو موسى فقال: إن هذا فلان بن فلان وإنه كان حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا وإنه تاب من قبل أن نقدر عليه فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير فإن يك صادقا فسبيل من صدق وإن يك كاذبا تدركه ذنوبه فأقام الرجل ما شاء الله ثم إنه خرج فأدركه الله تعالى بذنوبه فقتله. ثم قال ابن جرير حدثني علي حدثنا الوليد بن مسلم قال: قال الليث كذلك حدثني موسى بن إسحاق المدني وهو الأمير عندنا أن عليا الأسدي حارب وأخاف السبيل وأصاب الدم والمال فطلبه الأئمة والعامة فامتنع ولم يقدروا عليه حتى جاء تائبا وذلك أنه سمع رجلا يقرأ هذه الآية " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " فوقف عليه فقال: يا عبد الله أعد قراءتها فأعادها عليه فغمد سيفه ثم جاء تائبا حتى قدم المدينة من السحر فاغتسل ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الصبح ثم قعد إلى أبي هريرة في أغمار أصحابه فلما أسفروا عرفه الناس فقاموا إليه فقال لا سبيل لكم علي جئت تائبا من قبل أن تقدروا علي فقال أبو هريرة صدق وأخذ بيده حتى أتى مروان بن الحكم وهو أمير على المدينة في زمن معاوية فقال: هذا علي جاء تائبا ولا سبيل لكم عليه ولا قتل فترك من