بالمدينة من الجهد ويعتلوا بالاسلام وهم كاذبون فضيقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم فأنزل الله تعالى يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين فردهم رسول الله إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم فذلك قوله " ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم " الآية وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية: كان ينطلق من كل حي من العرب عصابة فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه عما يريدون من أمر دينهم ويتفقهون في دينهم ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم ما تأمرنا أن نفعله؟ وأخبرنا بما نأمر به عشائرنا إذا قدمنا عليهم قال: فيأمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بطاعة الله وطاعة رسوله ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة وكانوا إذا أتوا قومهم قالوا إن من أسلم فهو منا وينذرونهم حتى إن الرجل ليفارق أباه وأمه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم وينذرهم قومهم فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الاسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة، وقال عكرمة لما نزلت هذه الآية " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما " " وما كان لأهل المدينة " الآية قال المنافقون هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه وقد كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقهونهم فأنزل الله عز وجل " وما كان المؤمنون لينفروا كافة " الآية ونزلت " والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد " وقال الحسن البصري في الآية: ليتفقه الذين خرجوا بما يريهم الله من الظهور على المشركين والنصرة وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين (123) أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولا فأولا الأقرب فالأقرب إلى حوزة الاسلام ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة وهجر وخيبر وحضرموت وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا شرع في قتال أهل الكتاب فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب وأولى الناس بالدعوة إلى الاسلام لانهم أهل الكتاب فبلغ تبوك ثم رجع لأجل جهد الناس وجدب البلاد وضيق الحال وذلك سنة تسع من هجرته عليه السلام. ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجة الوداع ثم عاجلته المنية صلوات الله وسلامه عليه بعد حجته بأحد وثمانين يوما فاختاره الله لما عنده وقام بالامر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد مال الدين ميلة كاد أن ينجفل فثبته الله تعالى به فوطد القواعد وثبت الدعائم ورد شارد الدين وهو راغم ورد أهل الردة إلى الاسلام وأخذ الزكاة ممن منعها من الطغاة وبين الحق لمن جهله. وأدى عن الرسول ما حمله ثم شرع في تجهيز الجيوش الاسلامية إلى الروم عبدة الصلبان وإلى الفرس عبدة النيران ففتح الله ببركة سفارته البلاد وأرغم أنف كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العباد وأنفق كنوزهما في سبيل الله كما أخبر بذلك رسول الله وكان تمام الامر على يدي وصيه من بعده وولى عهده الفاروق الأواب شهيد المحراب أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين وقمع الطغاة والمنافقين واستولى على الممالك شرقا وغربا. وحملت إليه خزائن الأموال من سائر الأقاليم بعدا وقربا. ففرقها على الوجه الشرعي والسبيل المرضي. ثم لما مات شهيدا. وقد عاش حميدا أجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار على خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه شهيد الدار فكسى الاسلام رياسة حلة سابغة وامتدت الدعوة في سائر الأقاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة. فظهر الاسلام في مشارق الأرض ومغاربها وعلت كلمة الله وظهر دينه وبلغت الملة الحنيفية من أعداء الله غاية مأربها وكلما علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار امتثالا لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار " وقوله تعالى " وليجدوا فيكم غلظة " أي وليجد الكفار منكم غلظة عليهم في قتالكم لهم فإن المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقا لأخيه المؤمن غليظا على عدوه الكافر كقوله تعالى " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على