يتعمده كفار قريش المشركون في قولهم " لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه " الآية ولكن يتأكد ذلك في الصلاة المكتوبة إذا جهر الامام بالقراءة كما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا " وكذا رواه أهل السنن من حديث أبي هريرة أيضا وصححه مسلم بن الحجاج أيضا ولم يخرجه في كتابه وقال إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة قال: كانوا يتكلمون في الصلاة فلما نزلت هذه الآية " فإذا قرئ القرآن فاستمعوا له " والآية الأخرى أمروا بالانصات قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن المسيب بن رافع قال ابن مسعود: كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة فجاء القرآن " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " وقال أيضا حدثنا أبو كريب حدثنا المحاربي عن داود بن أبي هند عن بشير بن جابر قال: صلى ابن مسعود فسمع ناسا يقرؤن مع الامام فلما أنصرف قال: أما آن لكم أن تفهموا أما آن لكم أن تعقلوا " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " كما أمركم الله قال وحدثني أبو السائب حدثنا حفص عن أشعث عن الزهري قال: نزلت هذه الآية في فتى من الأنصار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئا قرأه فنزلت " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن من حديث الزهري عن أبي أكتمة الليثي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال " أهل قرأ أحد منكم معي آنفا؟ " قال رجل نعم يا رسول الله قال " إني أقول ما لي أنازع القرآن " قال فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الترمذي هذا حديث حسن وصححه أبو حاتم الرازي وقال عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري قال: لا يقرأ من وراء الامام فيما يجهر به الامام تكفيهم قراءة الإمام وإن لم يسمعهم صوته ولكنهم يقرؤن فيما لا يجهر به سرا في أنفسهم ولا يصلح لاحد خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سرا ولا علانية فإن الله تعالى قال " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا وأنصتوا له لعلكم ترحمون " قلت: هذا مذهب طائفة من العلماء أن المأموم لا يجب عليه في الصلاة الجهرية قراءة فيما جهر فيه الامام لا الفاتحة ولا غيرها وهو أحد قولي الشافعية وهو القديم كمذهب مالك ورواية عن أحمد بن حنبل لما ذكرناه من الأدلة المتقدمة وقال في الجديد يقرأ الفاتحة فقط في سكتات الامام وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل: لا يجب على المأموم قراءة أصلا في السرية ولا الجهرية بما ورد في الحديث " من كان له إمام فقراءته قراءة له " وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن جابر مرفوعا وهو في موطأ مالك عن وهب بن كيسان عن جابر موقوفا وهذا أصح وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع وقد أفرد لها الإمام أبو عبد الله البخاري مصنفا على حدة واختار وجوب القراءة خلف الإمام في السرية والجهرية أيضا والله أعلم وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قوله " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " يعني في الصلاة المفروضة وكذا روي عن عبد الله بن المغفل. وقال ابن جرير: حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان والقاص يقص فقلت ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود؟ قال فنظرا إلي ثم أقبلا على حديثهما قال فأعدت فنظرا إلي وأقبلا على حديثهما قال فأعدت الثالثة قال فنظرا إلي فقالا: إنما ذلك في الصلاة " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " وكذا قال سفيان الثوري عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير عن مجاهد في قوله " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " قال في الصلاة. وكذا رواه غير واحد عن مجاهد وقال عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد قال: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم وكذا قال سعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم النخعي وقتادة والشعبي والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن المراد بذلك في الصلاة وقال شعبة عن منصور سمعت إبراهيم بن أبي حمزة يحدث أنه سمع مجاهدا يقول في هذه الآية " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " قال في الصلاة والخطبة يوم الجمعة وكذا روى