من شئت وعاد من شئت وسالم من شئت وخذ من أموالنا ما شئت فنزل القرآن على قول سعد: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون " الآيات وقال العوفي عن ابن عباس لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء العدو وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدر أمر الناس أن يتهيئوا للقتال وأمرهم بالشوكة فكره ذلك أهل الايمان فأنزل الله " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون * يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " وقال مجاهد يجادلونك في الحق: في القتال وقال محمد بن إسحاق: " يجادلونك في الحق " أي كراهية للقاء المشركين وإنكارا لمسير قريش حين ذكروا له وقال السدي: " يجادلونك في الحق بعد ما تبين " أي بعد ما تبين لهم أنك لا تفعل إلا ما أمرك الله به.
قال ابن جرير وقال آخرون عنى بذلك المشركين حدثنا يونس أنبأنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله تعالى " يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " قال هؤلاء المشركين جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الاسلام وهم ينظرون. قال وليس هذا من صفة الآخرين هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر. ثم قال ابن جرير ولا معنى لما قاله لان الذي قبل قوله " يجادلونك في الحق " خبر عن أهل الايمان والذي يتلوه خبر عنهم. والصواب قول ابن عباس وابن إسحق أنه خبر عن المؤمنين وهذا الذي نصره ابن جرير هو الحق وهو الذي يدل عليه سياق الكلام والله أعلم. وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا يحيى بن بكير وعبد الرزاق قالا: حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر عليك بالعير ليس دونها شئ فناداه العباس بن عبد المطلب قال عبد الرزاق وهو أسير في وثاقه إنه لا يصلح لك. قال ولم؟ قال لان الله عز وجل إنما وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك الله ما وعدك إسناد جيد ولم يخرجه ومعنى قوله تعالى " وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم " أي يحبون أن الطائفة التي لا حد لها ولا منعة ولا قتال تكون لهم وهي العير " ويريد الله أن يحق الحق بكلماته " أي هو يريد أن يجمع بينكم وبين الطائفة التي لها الشوكة والقتال ليظفركم بهم وينصركم عليهم. ويظهر دينه ويرفع كلمة الاسلام ويجعله غالبا على الأديان وهو أعلم بعواقب الأمور وهو الذي يدبركم بحسن تدبيره وإن كان العباد يحبون خلاف ذلك فيما يظهر لهم كقوله تعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " وقال محمد بن إسحاق رحمه الله حدثني محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن عبد الله بن عباس كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم. وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا وكان أبو سفيان قد أستنفر حين دنا من الحجاز يتجسس الاخبار.
ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على أمر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى أهل مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى بلغ واديا يقال له ذفران فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن. ثم قام عمر رضي الله عنه فقال فأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله أمض لما أمرك الله به فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون " ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خيرا ودعا له بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أشيروا علي أيها الناس " وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم كانوا عدد الناس وذلك أنهم حين بايعوه