يستبشرون " وقد استدل البخاري وغيره من الأئمة بهذه الآية وأشباهها على زيادة الايمان وتفاضله في القلوب كما هو مذهب جمهور الأمة بل قد حكى الاجماع عليه غير واحد من الأئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد كما بينا ذلك مستقصى في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة " وعلى ربهم يتوكلون " أي لا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه ولا يلوذون إلا بجنابه ولا يطلبون الحوائج إلا منه ولا يرغبون إلا إليه ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ولهذا قال سعيد بن جبير التوكل على الله جماع الايمان. وقوله " الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " ينبه تعالى بذلك على أعمالهم بعد ما ذكر اعتقادهم وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلها وهو إقامة الصلاة وهو حق الله تعالى وقال قتادة: إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها وقال مقاتل بن حيان إقامتها المحافظة على مواقيتها وإسباغ الطهور فيها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذا إقامتها والانفاق مما رزقهم الله يشمل إخراج الزكاة وسائر الحقوق للعبادة من واجب ومستحب.
والخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لخلقه. قال قتادة في قوله " ومما رزقناهم ينفقون " فأنفقوا مما رزقكم الله فإنما هذه الأموال عوارى وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها.
وقوله " أولئك هم المؤمنون حقا " أي المتصفون بهذه الصفات هم المؤمنون حق الايمان. وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا أبو كريب حدثنا زيد بن الحباب حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن يزيد السكسكي عن سعيد بن أبي هلال عن محمد بن أبي الجهم عن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له " كيف أصبحت يا حارث؟ " قال: أصبحت مؤمنا حقا قال " انظر ما تقول فإن لكل شئ حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ " فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلى وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها فقال: " يا حارث عرفت فالزم " ثلاثا. وقال عمرو بن مرة في قوله تعالى " أولئك هم المؤمنون حقا " إنما أنزل القرآن بلسان العرب كقولك فلان سيد حقا وفي القوم سادة. وفلان تاجر حقا وفي القوم تجار. وفلان شاعر حقا وفي القوم شعراء.
وقوله " لهم درجات عند ربهم " أي منازل ومقامات ودرجات في الجنات كما قال تعالى " هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون ". " ومغفرة " أي يغفر لهم السيئات ويشكر لهم الحسنات. وقال الضحاك في قوله " لهم درجات عند ربهم " أهل الجنة بعضهم فوق بعض فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد ولهذا جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أهل عليين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق من آفاق السماء ". قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا ينالها غيرهم فقال " بلى والذي نفسي بيده لرجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث ابن أبي عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات العلى كما تراءون الكوكب الغابر في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ".
كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون (5) يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون (6) وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين (7) ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون (8) قال الإمام أبو جعفر الطبري اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه الكاف في قوله " كما أخرجك ربك "