وغير واحد من السلف وجماعة من الخلف ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة وكأنه والله أعلم أصله مأخوذ من أهل الكتاب فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب كما رواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو الجماهر حدثنا سعيد يعني ابن بشير عن عقبة عن قتادة عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: لما حملت حواء أتاها الشيطان فقال لها أتطيعيني ويسلم لك ولدك: سميه عبد الحارث فلم تفعل فولدت فمات ثم حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل ثم حملت الثالثة فجاءها فقال إن تطيعيني يسلم وإلا فإنه يكون بهيمة فهيبهما فأطاعا.
وهذه الآثار يظهر عليها والله أعلم أنها من آثار أهل الكتاب وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم " ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام فمنها ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله ومنها ما علمنا كذبه بما دل على خلافه من الكتاب والسنة أيضا ومنها ما هو مسكوت عنه فهو المأذون في روايته بقوله عليه السلام " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " وهو الذي لا يصدق ولا يكذب لقوله " فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم " وهذا الأثر هو القسم الثاني أو الثالث فيه نظر فأما من حدث به من صحابي أو تابعي فإنه يراه من القسم الثالث وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ولهذا قال الله " فتعالى الله عما يشركون " ثم قال فذكر آدم وحواء أولا كالتوطئة لما بعدهما من الوالدين وهو كالإستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس كقوله " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح " الآية ومعلوم أن المصابيح وهى النجوم التي زينت بها السماء ليست هي التي يرمي بها وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها ولهذا نظائر في القرآن والله أعلم.
أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون (191) ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون (192) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أو أنتم صامتون (193) إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين (194) ألهم رجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون (195) إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين (196) والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون (197) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (198) هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة لا تملك شيئا من الامر ولا تضر ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم ولهذا قال " أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون " أي أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئا ولا يستطيع ذلك كقوله تعالى " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز " أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة بل لو سلبتهم الذبابة شيئا من حقير المطاعم وطارت لما استطاعوا إنقاذه منها فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر؟ ولهذا قال تعالى " لا يخلق شيئا وهم يخلقون " أي بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل " أتعبدون ما تنحتون " الآية ثم قال تعالى " ولا يستطيعون لهم نصرا " أي