وقال بعض العلماء: الناس رجلان فرجل محسن فخذ ما عفا لك من إحسانه ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه وإما مسئ فمره بالمعروف فإن تمادى على ضلاله واستعصى عليك واستمر في جهله فأعرض عنه فلعل ذلك أن يرد كيده كما قال تعالى " ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما تصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون " وقال تعالى " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " أي هذه الوصية " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم " وقال في هذه السورة الكريمة أيضا وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم فهذه الآيات الثلاث في الأعراف والمؤمنون وحم السجدة لا رابع لهن فإنه تعالى يرشد فيهن إلى معاملة العاصي من الانس بالمعروف بالتي هي أحسن فإن ذلك يكفه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى ولهذا قال " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " ثم يرشد تعالى إلى الاستعاذة به من شيطان الجان فإنه لا يكفه عنك الاحسان وإنما يريد هلاكك ودمارك بالكلية فإنه عدو مبين لك ولابيك من قبلك قال ابن جرير في تفسير قوله " وإما ينزغنك من الشيطان نزع " وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدك عن الاعراض عن الجاهل ويحملك على مجازاته " فاستعذ بالله " يقول فاستجر بالله من نزغه " إنه سميع عليم " سميع لجهل الجاهل عليك والاستعاذة به من نزغه ولغير ذلك من كلام خلقه لا يخفى عليه منه شئ عليم بما يذهب عنك نزغ الشيطان وغير ذلك من أمور خلقه.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما نزلت " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " قال " يا رب كيف بالغضب؟ فأنزل الله " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم " قلت وقد تقدم في أول الاستعاذة حديث الرجلين اللذين تسابا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فغضب أحدهما حتى جعل أنفه يتمرغ غضبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لاعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " فقيل له فقال ما بي من جنون وأصل النزغ الفساد إما بالغضب أو غيره قال الله تعالى " وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم " والعياذ الالتجاء والاستناد والاستجارة من الشر وأما الملاذ ففي طلب الخير كما قال الحسن بن هانئ في شعره:
يا من ألوذ به فيما أؤمله * ومن أعوذ به مما أحاذره لا يجبر الناس عظما أنت كاسره * ولا يهيضون عظما أنت جابره وقد قدمنا أحاديث الاستعاذة في أول التفسير بما أغنى عن إعادته ههنا.
إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (201) وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون (202) يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما عنه زجر أنهم إذا مسهم أي أصابهم طيف وقرأ الآخرون طائف وقد جاء فيه حديث وهما قراءتان مشهورتان فقيل بمعنى واحد وقيل بينهما فرق ومنهم من فسر ذلك بالغضب ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه ومنهم من فسره بالهم بالذنب ومنهم من فسره بإصابة الذنب وقوله تذكروا أي عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب " فإذا هم مبصرون " أي قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه ههنا حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها طيف فقالت يا رسول الله ادع الله أن يشفيني فقال " إن شئت دعوت الله فشفاك وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك " فقالت: