إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون (188) أمره الله تعالى أن يفوض الأمور إليه وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل ولا اطلاع له على شئ من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه كما قال تعالى " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا " الآية وقوله " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير " قال عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير " قال لو كنت أعلم متى أموت لعملت عملا صالحا وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال مثله ابن جريج وفيه نظر لان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ديمة وفي رواية كان إذا عمل عملا أثبته فجميع عمله كان على منوال واحد كأنه ينظر إلى الله عز وجل في جميع أحواله اللهم إلا أن يكون المراد أن يرشد غيره إلى الاستعداد لذلك والله أعلم. والأحسن في هذا ما رواه الضحاك عن ابن عباس " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير " أي من المال وفي رواية لعلمت إذا اشتريت شيئا ما أربح فيه شيئا إلا ربحت فيه ولا يصيبني الفقر. وقال ابن جرير وقال آخرون: معنى ذلك لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة ولوقت الغلاء من الرخص فاستعددت له من الرخص. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم " وما مسني السوء " قال لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون واتقيته ثم أخبر أنه إنما هو نذير وبشير أي نذير من العذاب وبشير للمؤمنين بالجنات كما قال تعالى " فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ".
* هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين (189) فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون (190) ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام وأنه خلق منه زوجته حواء ثم انتشر الناس منهما. كما قال تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وقال تعالى " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها " الآية وقال في هذه الآية الكريمة " وجعل منها زوجها ليسكن إليها " أي ليألفها ويسكن بها كقوله تعالى " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " فلا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه " فلما تغشاها " أي وطئها " حملت حملا خفيفا " وذلك أول الحمل لا تجد المرأة له ألما إنما هي النطفة ثم العلقة ثم المضغة وقوله " فمرت به " قال مجاهد استمرت بحمله وروي عن الحسن وإبراهيم النخعي والسدي نحوه وقال ميمون بن مهران عن أبيه استخفته وقال أيوب: سألت الحسن عن قوله " فمرت به " قال: لو كنت رجلا عربيا لعرفت ما هي إنما هي فاستمرت به وقال قتادة " فمرت به " استبان حملها وقال ابن جرير: معناه استمرت بالماء قامت به وقعدت وقال العوفي عن ابن عباس: استمرت به فشكت أحملت أم لا " فلما أثقلت " أي صارت ذات ثقل بحملها وقال السدي: كبر الولد في بطنها " دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا " أي بشرا سويا. كما قال الضحاك عن ابن عباس أشفقا أن يكون بهيمة وكذلك قال أبو البختري وأبو مالك: أشفقا أن لا يكون إنسانا. وقال الحسن البصري لئن آتيتنا غلاما " لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون " يذكر المفسرون ههنا آثارا وأحاديث سأوردها وأبين ما فيها ثم نتبع ذلك ببيان الصحيح في ذلك إن شاء الله وبه الثقة. قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن إبراهيم حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فإنه