والزروع والانعام فكلها خلقها الله وجعلها رزقا لكم " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " أي طريقه وأوامره كما اتبعها المشركون الذين حرموا ما رزقهم الله أي من الثمار والزروع افتراء على الله " إنه لكم " أي إن الشيطان أيها الناس لكم " عدو مبين " أي مبين ظاهر العداوة كما قال " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " وقال تعالى " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما " الآية وقال تعالى " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا " والآيات في هذا كثيرة في القرآن.
ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آالذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين (143) ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آالذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن أفترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدى القوم الظالمين (144) هذا بيان لجهل العرب قبل الاسلام فيما كانوا حرموا من الانعام وجعلوها أجزاء وأنواعا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاما وغير ذلك من الأنواع التي ابتدعوها في الانعام والزروع والثمار فبين تعالى أنه أنشأ جنات معروشات وغير معروشات وأنه أنشأ من الانعام حمولة وفرشا. ثم بين أصناف الانعام إلى غنم وهو بياض وهو الضأن وسواد وهو المعز ذكره وأنثاه وإلى إبل ذكورها وإناثها وبقر كذلك وأنه تعالى لم يحرم شيئا من ذلك ولا شيئا من أولادها بل كلها مخلوقة لبني آدم أكلا وركوبا وحمولة وحلبا وغير ذلك من وجوه المنافع كما قال " وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج " الآية وقوله تعالى " أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين " رد عليهم في قولهم " ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا " الآية وقوله تعالى " نبئوني بعلم إن كنتم صادقين " أي أخبروني عن يقين كيف حرم الله عليكم ما زعمتم تحريمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك وقال العوفي عن ابن عباس قوله " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين " فهذه أربعة أزواج " قل آلذكرين حرم أم الأنثيين " يقول لم أحرم شيئا من ذلك " أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين " يعني هل يشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعض وتحلون بعضا؟ " نبئوني بعلم إن كنتم صادقين " يقول تعالى: كله حلال.
وقوله تعالى " أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا " تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على الله من تحريم ما حرموه من ذلك " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم " أي لا أجد أظلم منه " إن الله لا يهدي القوم الظالمين " وأول من دخل في هذه الآية عمرو بن لحي بن قمعة لأنه أول من غير دين الأنبياء وأول من سيب السوائب ووصل الوصيلة وحمى الحامي كما ثبت ذلك في الصحيح.
قل لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن أضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم (145) يقول تعالى آمرا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم " قل " يا محمد لهؤلاء الذين حرموا ما رزقهم الله افتراء على الله " لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه " أي آكل يأكله قيل معناه لا أجد شيئا مما حرمتم حراما سوى هذه وقيل معناه لا أجد من الحيوانات شيئا حراما سوى هذه فعلى هذا يكون ما ورد من التحريمات بعد هذا في