الضحاك: هو الذي بدأ بذلك.
والثاني: أنه حسان; روى الشعبي أن عائشة قالت: ما سمعت أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة; فقيل: يا أم المؤمنين، أليس الله يقول: * (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) *، فقالت: أليس قد ذهب بصره؟ وروى عنها مسروق أنها قالت: وأي عذاب أشد من العمى، ولعل الله يجعل ذلك العذاب العظيم، ذهاب بصره، تعني: حسان بن ثابت.
ثم إن الله عز وجل أنكر على الخائضين في الإفك بقوله تعالى: * (لولا إذ سمعتموه) * أي:
هلا إذ سمعتم أيتها العصبة الكاذبة قذف عائشة * (ظن المؤمنون) * من العصبة الكاذبة، وهم حسان ومسطح * (والمؤمنات) * وهي: حمنة بنت جحش * (بأنفسهم) * وفيها ثلاثة أقوال:
أحدها: بأمهاتهم.
والثاني: بأخواتهم.
والثالث: بأهل دينهم، لأن المؤمنين كنفس واحدة، * (وقالوا هذا إفك مبين) * أي: كذب بين.
وجاء في التفسير أن أبا أيوب الأنصاري قالت له أمه: ألا تسمع ما يقول الناس في أمر عائشة؟!
فقال: هذا إفك مبين، أكنت يا أماه فاعلته؟ فقالت: معاذ الله، قال: فعائشة والله خير منك; فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: * (جاؤوا) * أي: هلا جاءت العصبة الكاذبة على قذفهم عائشة * (بأربعة شهداء) * وقرأ الضحاك، وعاصم الجحدري: " بأربعة " منونة; والمعنى: يشهدون بأنهم عاينوا ما رموها به * (فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله) * أي: في حكمه * (هم الكاذبون) *. ثم ذكر القاذفين فقال: * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * أي: لولا ما من به عليكم، * (لمسكم) * أي: لأصابكم * (فيما أفضتم) * أي: أخذتم وخضتم * (فيه) * من الكذب والقذف * (عذاب عظيم) * في الدنيا والآخرة. ثم ذكر الوقت الذي لولا فضله لأصابهم فيه العذاب فقال: * (إذ تلقونه) * وكان الرجل منهم يلقى الرجل فيقول: بلغني كذا، فيتلقاه بعضهم من بعض. وقرأ عمر بن الخطاب: " إذ تلقونه " بتاء واحدة خفيفة مرفوعة وإسكان اللام وقاف منقوطة بنقطتين مرفوعة خفيفة; وقرأ معاوية، وابن السميفع مثله، إلا أنهما فتحا التاء والقاف. وقرأ ابن مسعود: " تتلقونه " بتاءين مفتوحتين مع نصب اللام وتشديد القاف. وقرأ أبي بن كعب، وعائشة، ومجاهد، وأبو حيوة: " تلقونه " بتاء واحدة خفيفة مفتوحة وكسر اللام ورفع القاف. وقال الزجاج: " تلقونه ": يلقيه بعضكم إلى بعض وتلقونه; ومعناه:
إذ تسرعون بالكذب، يقال: قد ولق يلق: إذا أسرع في الكذب وغيره، قال الشاعر:
جاءت به عنس من الشام تلق