فإن الله غفور رحيم " 5 " قوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات) * شرائط الإحصان عندنا أربعة: البلوغ، والحرية، والعقل، والوطء في نكاح صحيح. فأما الإسلام، فليس بشرط في الإحصان، خلافا لأبي حنيفة، ومالك ومعنى الآية: يرمون المحصنات بالزنا، فاكتفى بذكره المتقدم عن إعادته * (ثم لم يأتوا) * على ما رموهن به * (بأربعة شهداء) * عدول يشهدون أنهم رأوهن يفعلن ذلك * (فاجلدوهم) * يعني القاذفين.
فصل وقد أفادت هذه الآية أن على القاذف إذا لم يقم البينة الحد ورد الشهادة وثبوت الفسق، واختلفوا هل يحكم بفسقه ورد شهادته بنفس القذف، أم بالحد؟ فعلى قول أصحابنا: إنه يحكم بفسقه ورد شهادته إذا لم يقم البينة، وهو قول الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يحكم بفسقه، وتقبل شهادته ما لم يقم الحد عليه.
فصل والتعريض بالقذف - كقوله لمن يخاصمه: ما أنت بزان، ولا أمك زانية - يوجب الحد في المشهور من مذهبنا. وقال أبو حنيفة: لا يوجب الحد. وحد العبد في القذف نصف حد الحر، وهو أربعون، قاله الجماعة، إلا الأوزاعي فإنه قال: ثمانون. فأما قاذف المجنون، فقال الجماعة: لا يحد. وقال الليث: يحد. فأما الصبي، فإن كان مثله يجامع أو كانت صبية مثلها يجامع، فعلى القاذف الحد. وقال مالك: يحد قاذف الصبية التي يجامع مثلها، ولا يحد قذف الصبي. وقال أبو حنيفة، والشافعي: لا يحد قاذفهما. فإن قذف رجل جماعة بكلمة واحدة، فعليه حد واحد، وإن أفرد كل واحد بكلمة، فعليه لكل واحد حد، وهو قول الشعبي، وابن أبي ليلى; وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه حد واحد، سواء قذفهم بكلمة أو بكلمات.
فصل وحد القذف حق لآدمي، يصح ان يبرئ منه، ويعفو عنه، وقال أبو حنيفة: هو حق الله [عز وجل] وعندنا أنه لا يستوفي إلا بمطالبة المقذوف، وهو قول الأكثرين. وقال ابن أبي ليلى: يحده الإمام وإن لم يطالب المقذوف.
قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا) * أي: من القذف * (وأصلحوا) * قال ابن عباس: أظهروا التوبة; وقال غيره: لم يعودوا إلى قذف المحصنات، وفي هذا الاستثناء قولان: