والثاني: أن مراده من السؤال عنها: لم عبدت الأصنام، ولم لم يعبد الله إن كان الحق ما وصفت؟!
والثالث: أن مراده: ما لها لا تبعث ولا تحاسب ولا تجازى؟! فقال: علمها عند الله، أي: علم أعمالها. وقيل: الهاء في " علمها " كناية عن القيامة، لأنه سأله عن بعث الأمم، فأجابه بذلك.
وقوله: * (في كتاب) * أراد: اللوح المحفوظ.
قوله تعالى: * (لا يضل ربي ولا ينسى) * وقرأ عبد الله بن عمرو، وعاصم الجحدري، وقتادة، وابن محيصن: " لا يضل " بضم الياء، وكسر الضاد، أي: لا يضل وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: " لا يضل " بضم الياء وفتح الضاد. وفي هذه الآية توكيد للجزاء على الأعمال، والمعنى: لا يخطئ ربي ولا ينسى ما كان من أمرهم حتى يجازيهم بأعمالهم. وقيل: أراد: لم يجعل ذلك في كتاب لأنه يضل وينسى.
قوله تعالى: * (الذي جعل لكم الأرض مهادا) * قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: " مهادا ". وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: " مهدا " بغير ألف. والمهاد: الفراش، والمهد: الفرش. * (وسلك لكم) * أي: أدخل لأجلكم في الأرض طرقا تسلكونها، * (وأنزل من السماء ماء) * يعني: المطر. وهذا آخر الإخبار عن موسى. ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله:
* (فأخرجنا به) * يعني: بالماء * (أزواجا من نبات شتى) * أي: أصنافا مختلفة في الألوان والطعوم، كل صنف منها زوج. و " شتى " لا واحد له من لفظه. * (كلوا) * أي: مما أخرجنا لكم من الثمار * (وارعوا أنعامكم) * يقال: رعى الماشية، يرعاها: إذا سرحها في المرعى. ومعنى هذا الأمر: التذكير بالنعم، * (إن في ذلك لآيات) * أي: لعبرا في اختلاف الألوان والطعوم (لأولي النهى) قال الفراء: لذوي العقول، يقال للرجل: إنه لذو نهية: إذا كان ذا عقل. قال الزجاج:
واحد النهى: نهية، يقال: فلان ذو نهية، أي: ذو عقل ينتهي به عن المقابح، ويدخل به في المحاسن; قال: وقال بعض أهل اللغة: ذو النهية: الذي ينتهى إلى رأيه وعقله، وهذا حسن أيضا.
قوله تعالى: * (منها خلقناكم) * يعني: الأرض المذكورة في قوله: " جعل لكم الأرض مهادا ". والإشارة بقوله: " خلقناكم " إلى آدم، والبشر كلهم منه. * (وفيها نعيدكم) * بعد الموت * (ومنها نخرجكم تارة) * أي: مرة (أخرى) بعد البعث، يعني: كما أخرجناكم منها أولا عند خلق آدم من الأرض.