هكذا أنشد البيت الفراء، والزجاج. ورواه أبو عبيدة: " إلا مسحت أو مجلف " بالرفع.
قوله تعالى: * (فتنازعوا أمرهم بينهم) * يعني: السحرة تناظروا فيما بينها في أمر موسى، وتشاوروا * (وأسروا النجوى) * أي: أخفوا كلامهم من فرعون وقومه. وقيل: من موسى وهارون.
وقيل: " أسروا " هاهنا بمعنى " أظهروا ".
وفي ذلك الكلام الذي جرى بينهم ثلاثة أقوال:
أحدها: إن كان هذا ساحرا، فإنا سنغلبه، وإن يكن من السماء كما زعمتم، فله أمره، قاله قتادة.
والثاني: أنهم لما سمعوا كلام موسى قالوا: ما هذا بقول ساحر، ولكن هذا كلام الرب الأعلى، فعرفوا الحق، ثم نظروا إلى فرعون وسلطانه، وإلى موسى وعصاه، فنكسوا على رؤوسهم، وقالوا إن هذان لساحران، قاله الضحاك، ومقاتل.
والثالث * (قالوا إن هذان لساحران...) * الآيات، قاله السدي.
واختلف القراء في قوله [تعالى]: * (إن هذان لساحران) * فقرأ أبو عمرو بن العلاء: " إن هذين " على إعمال " إن " وقال: إني لأستحيي من الله أن أقرأ " إن هذان ". وقرأ وقرأ ابن كثير:
" إن " خفيفة " هذان " بتشديد النون. وقرأ عاصم في رواية حفص: " إن " خفيفة " هذان " خفيفة أيضا. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: " إن " بالتشديد " هاذان " بألف ونون خفيفة.
فأما قراءة أبي عمرو، فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روى عن عثمان وعائشة، أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى: * (والمقيمين الصلاة) * في سورة النساء. وأما قراءة عاصم، فمعناها: ما هذان إلا ساحران، كقوله تعالى: * (وإن نظنك لمن الكاذبين) * أي:
ما نظنك إلا من الكاذبين، وأنشدوا في ذلك:
- ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما * حلت عليه عقوبة المتعمد - أي: ما قتلت إلا مسلما. قال الزجاج: ويشهد لهذه القراءة، ما روي عن أبي بن كعب أنه قرأ " ما هذان إلا ساحران " وروي عنه، " إن هذان " بالتخفيف، والإجماع على أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من الخليل. فأما قراءة الأكثرين بتشديد " إن " وإثبات الألف في قوله: " هاذان " فروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: هي لغة بلحارث بن كعب وقال ابن الأنباري: هي لغة لبني الحارث بن كعب، وافقتها لغة قريش. قال الزجاج: وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأس من رؤوس الرواة: أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون: أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وأنشدوا: