قدميه، فيكون سعية آية كنطقه، فقطع ذلك التوهم، وأعلم أنه كسائر الأطفال، وهذا مثل قول العرب: نظرت إلى فلان بعيني، فنفوا بذلك نظر العطف; والرحمة، وأثبتوا أنه نظر عين. وقال ابن السائب: لما دخلت على قومها بكوا، وكانوا قوما صالحين; و * (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) * وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: شيئا عظيما، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. قال الفراء: الفري: العظيم، والعرب تقول: تركته يفري الفري، إذا عمل فأجاد العمل ففضل الناس، قيل هذا فيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فما رأيت عبقريا يفري فري عمر ".
والثاني: عجبا فائقا، قاله أبو عبيدة.
والثالث: شيئا مصنوعا، ومنه يقال: فريت الكذب، وافتريته، قاله اليزيدي.
قوله تعالى: * (يا أخت هارون) * في المراد بهارون هذا خمسة أقوال:
أحدها: أنه أخ لها من أمها، وكان من أمثل فتى في بني إسرائيل، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال الضحاك: كان من أبيها وأمها.
والثاني: أنها كانت من بني هارون، قاله الضحاك عن ابن عباس. وقال السدي: كانت من بني هارون أخي موسى عليهما السلام، فنسبت إليه، لأنها من ولده.
والثالث: أنه رجل صالح كان في بني إسرائيل، فشبهوها به في الصلاح، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا، وقتادة، ويدل عليه ما روى المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران، فقالوا: ألستم تقرؤون: " يا أخت هارون " وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى؟ فلم أدر ما أجيبهم، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم ".
والربع: أن قوم هارون كان فيهم فساق وزناه، فنسبوها إليهم، قاله سعيد بن جبير.
والخامس: أنه رجل من فساق بني إسرائيل شبهوها به، قاله وهب بن منبه.
فعلى هذا يخرج في معنى " الأخت " قولان:
أحدهما: أنها الأخت حقيقة.
والثاني: المشابهة، لا المناسبة، كقوله تعالى: * (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) *.
قوله تعالى: * (ما كان أبوك) * يعنون: عمران * (امرأ سوء) * أي: زانيا * (وما كانت أمك) * حنة * (بغيا) * أي: زانية، فمن أين لك هذا الولد؟!
قوله تعالى: * (فأشارت) * أي: أومأت * (إليه) * أي: إلى عيسى فتكلم، وقيل المعنى: أشارت